في بلدنا الذي أضحى بعد عام 2003 تحت مسمى (العراق الجديد) طافت على سطح يومياتنا إفرازات عجيبة غريبة..! وتصدر المشهد السياسي والاجتماعي فيه نماذج من شخوص أكثر عجبا وغرابة. وهذا حتما لايعني سلامة صورة من تصدروا المشهدين في عهد النظام السابق، ولكن الحقيقة التي لاتخفى على كل ذي لب، أن الإخلاص والنزاهة ونظافة اليد باتت عملة نادرة جدا.. جدا.. جدا في مؤسسات البلد، وعلى مابدا فإن أساليب الثواب لم تكن ناجعة معهم ليحسنوا التصرف فيما أنيط بهم من واجبات، كذلك كانت أساليب العقاب "مميعة" الى حد كبير، حتى أمنوه فساءوا الأدب على حد قول مثلنا. وبالنتيجة فقد ازدادوا قبحا وصلافة وعنجهية، ونزعوا ما قد تبقى من حياء في جباههم، واستبدلوه بالكبر والاستعلاء والتمادي في غيهم وسرقاتهم وسحتهم، وهذا مانراه جليا في ردود أفعال متبوئي المناصب والمراكز العليا في مفاصل الدولة السياسية والاجتماعية، إذ أن موافقتهم على صيحات الإصلاحات كانت شكلية او هي لذر الرماد في العيون، وهو أسلوب تكتيكي أفعواني ملتوٍ، يبغون من ورائه المراوغة والتحايل والالتفاف على المواطن وحقوقه، كذلك سعيهم في خداع الرأي العام بأنهم نزهاء وأمناء و (شرفاء)..! فيما هم بعيدون كل البعد عن النزاهة والأمانة والشرف، إلا عدد ضئيل جدا جدا جدا منهم.
والغريب في ماحدث منذ بداية الدعوة الى الإصلاحات، ان الجميع يدعو الى محاربة الفساد والمفسدين، ويناشد بالولاء للوطن وخدمة المواطن، والعمل لصالحهما، ومقارعة الذين يقفون ضدهما، وكلهم قادمون بخطط يقضون فيها على الفساد بأنواعه، ويقوّمون الانحرافات في أداء مؤسسات الدولة، وقطعا لم يفتهم كلهم أن يرفعوا شعار محاربة الطائفية، والقضاء على الإرهاب، وقد أتوا بمفردة (لا) ولصقوها بكل سلبية، كما أتوا بمفردة (نعم) ولصقوها كذلك بايجابيات كما يرونها بأعينهم. فكان الناتج؛ لاللمحاصصة.. لاللطائفية.. لاللفساد.. لاللمحسوبية.. لاللسراق... يقابلها من الـ (نعم) اضعاف تلك اللاءات فيما يخص الخدمات والسياسات التي ستتبع في إدارة البلد. والغريب أيضا أن كل من جاء للعمل من أجل البلاد وملايين العباد، يشهر -أول مايشهر- سيف الاتهام وسلاح التنكيل ضد السابقين من الحكام والساسة والمسؤولين الذين سبقوه في المنصب والمسؤولية، وكأن اللاحقين لايعملون بما يعوّل عليهم إلا بالإساءة الى سمعة السابقين، ونشر غسيلهم أمام الملأ -حقا او إفكا-. وهم بهذا يتبعون كل السبل والوسائل بغية إبراز ما يريدون إبرازه من دعاوى. وهذا الأمر يذكرنا بما حدث قبل أكثر من سنة، والذي بدوره يذكرنا أيضا بما قبله بأربع أخريات سبقتها، حيث لم يتوانَ مسؤول تسنم مهام منصبه من التشهير بسابقه كيف مااشتهى وبأوسع الاتهامات.
إن صورة السراق من كبار الساسة والمسؤولين في سدة الحكم باتت واضحة تماما بكل معالمها، وصار مؤكدا لدى المواطنين جميعهم أن الأغطية التي تخفى وراءها اولئك الكبار، والستارات التي كانوا يتوارون خلفها لم تكن سوى خدعة كبيرة، سواء أدينية كانت أم وجاهية أم منسوبية أم محسوبية! بقي على المواطن التيقظ والحذر منهم -ومن أمثالهم- في قادم الأيام، وكفاه اللدغ مرات ومرات من جحر سياسييه وقادته الذين انتقاهم واختارهم بطيبة قلبه وحسن ظنه.
مقالات اخرى للكاتب