لم يكن هذا الحدث مفاجئاً للبعض وان كان بعد فترة انقطاع “إلى حد ما ” فما شهدته مدينة كوبلنس الألمانية”قبل بضعة اسابيع ” من مؤتمراً لأهم أقطاب اليمين المتطرف في أوروبا، وذلك تزامناً مع تولي دونالد ترمب منصبه رسميا رئيسا للولايات المتحدة، هذا المؤتمر حضره كل من زعيمة حزب “البديل من أجل ألمانيا” فراوكا بيتري، وزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، وكذلك الشعوبي الهولندي المعادي للإسلام خيرت فيلدرس، وزعماء آخرون من النمسا وبولندا وجمهورية التشيك، والتقي حينها الزعماء تحت شعار “الحرية لأوروبا” بهدف تعزيز العلاقات بين أحزابهم التي أعاقت نزعاتها القومية التعاون الوثيق بينها في الماضي “بحسب ما تتدعي “.
الاجتماع هذا وبهذا التوقيت بالتحديد ،يؤكد ان هناك حراك ما من قبل اليمين المتطرف في عموم القارة العجوز ، بهدف العودة من الجديد للعب دور سياسي بمستقبل هذه القارة ،فاليمين المتطرف يملك قواعد شعبية “محصورة ومنبوذه “بعشرين دولة اوروبية ،وهنا عندما نتحدث عن نشأة هذا اليمين المتطرف ،فنقرأ بالتاريخ أنه مع مطلع تسعينات القرن الماضي ،بدأت هناك تغيرات كثيرة “طارئة ” على أوروبا ، ليس أولها ولا اخرها انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية “لاوروبا “متمثلة في حلف وارسو وتأسيس الاتحاد الأوروبي ونتيجة لما سبق، فإن الدويلات التي ظهرت من انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت تعود لأصولها العرقية وهو ما ساهم في ظهور النزعة القومية عند الكثير من الأوروبيين وانضمام مثل هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي فيما بعد، في 2008، بدأت أزمة مالية عالمية اعتبرها البعض الأسوأ منذ الكساد الكبير 1929، أدت هذه الأزمة لانتشار البطالة والركود الاقتصادي، ومع زيادة الهجرة بدأ بعض الأوروبيين ينظرون للمهاجرين كمزاحمين لهم في وظائفهم وخاصة المسلمين وهنا ظهرت دعوات للتضييق على المهاجرين ودعوات عدائية ضدهم”وهنا بدأ خطاب اليمين المتطرف بالرواج واستطاع خلق بيئة وقاعدة شعبية داعمه له “.
فاليمين المتطرف باوروبا يحمل اجندة إلى حد ما تلتقي مع مضامين واجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومع التقاء هذه الاجندة تتزايد المخاوف من أن تساهم هذه الاجندة بصناعة خطاب عنصري يفيض بمشاعر الكراهية والعداء ليس للمسلمين والإسلام فحسب بل لجميع الأجانب والمهاجرين واللاجئين، فالاجندة التي تحملها احزاب اليمين المتطرف في اوروبا في حال تنفيذها من المؤكد أنها ستعصف بأوروبا وتهدد وحدتها، فهذه الاجندة تهدد قيم التسامح الديني والتعايش السلمي وقبول الاختلاف والتعدد الثقافي، فهي تدعوا صراحة إلى إشعال صراع الحضارات، وهذا الموضوع وهذا الخطاب بحد ذاته يشكل خطراً على العالم كل العالم .
ولكنا هنا بالتحديد ،يجب التنويه أن اليمين المتطرف وخطابه “المتطرف “،يلقى معارضه كبيره من قوى أوروبية وشعبية لها وزنها السياسي والشعبي والمجتمعي ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ،فقد عبر رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي عن رفضه لتصاعد قوة الأحزاب اليمنية المتطرفة وقال ذات مرة “أن فوز اليمين المتطرف في انتخابات فرنسا وألمانيا سيؤدي إلى تدمير أوروبا” ،هذا الخطاب الرسمي الاسباني تلتقي معه انظمة اوروبية وقوى سياسية اوروبية عدة رافضة لهذا الخطاب “المتطرف “ولاجندته المتطرفة ،ومن يتابع نتائج الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية ،والدعوات السياسية لعدم التصويت لاجندة اليمين المتطرف الفرنسي في الجولة الثانية ،سيلحظ أن هذا الخطاب المتطرف لا يلقى دعماً بنسب كبيرة لا سياسياً ولا مجتمعياً بأوروبا .
ختاماً ، يبدو واضحاً أن التيار اليميني المتطرف في أوروبا يسعى لتعظيم تمدده وقوته السياسية والمجتمعيه في أوروبا من خلال تعظيم الخطر من الإسلام ،ويرى في ذلك مصلحة كبرى من أجل توحيد الأوروبيين على قضية كبيرة ،تخدم استمرار وتمدد هذا التيار اليميني المتطرف في أوروبا ،ومع ذلك يبدو واضحاً ان هذا الخطاب للآن لايلقى نسبة دعم كبيرة ،والواضح اكثر في هذه المرحلة ،ان هذا الخطاب بات يلقى معارضة كبيرة من قوى مجتمعية وسياسية اوروبية ،تؤشر إلى انحدار في قوة هذا التيار اليميني المتطرف .
مقالات اخرى للكاتب