عقب إنقضاء الحقبة الاستعمارية في منتصف القرن العشرين تقريبا، ترك الغزاة العالم العربي يغط في مثلث: الفقر، والجهل، والمرض، بيد أن الفقر كان يمكن الصبر عليه، ولو ببضع لقيمات، والجهل كان تحت السيطرة، إذ يتبع الجاهل العالم معترفًا له بالسيادة، أما المرض فكان ينتهي بالشفاء، أو الموت الزئام. وكانت مطالب الجماهير، تلتقي مع أهداف الحكومات، للتكاتف من أجل البناء.
بيد أن الطريق فيما يبدو كان ملبدًا بالغيوم، وتعذر القضاء علي هذا الثالوث الخطير، لأسباب بعضها غير معلوم، وبعضها معلوم، وبسب هذا التقاعس عن استئصال الداء العضال، نتج ثلاث آفات جديدة، وأشد فكتًا.
الآفة الأولي وهي مولد ظاهرة: الدجل في شتي المجالات، لدرجة أن الدهماء أصبحوا يتولون أمور العامة، وأبعد المتخصصون عن الساحة، وبلغت ذروة هذا الإنحدار بالسقوط الإعلامي، الذي مكن بعض المشعوذين من الإرتداد بالعقل البشري إلي ظلمات العصور الوسطي، فظهرت إعلانات توحي بقدرة بعض الدجالين علي علاج كافة الأمراض المستعصية، وفك السحر، وجلب الحبيب، ورد المطلقة، وغيرها من إعلانات وهمية لا علاقة لها بعلم الطب المتخصص، وتمددت الظاهرة ليطال الدجل كل مناحي الحياة تقريبًا.
أما الظاهرة الثانية هي شيوع: الفوضي، في أمور يجب أن تأخذ علي محمل الجد، حتي تمخض الأمر عن استشراء النفاق كظاهرة ثالثة، فما يسمعه الفرد، أو المسئول، حال وجوده، عكس مايقال عنه حال غيابه.
وبعد أن تفشي مثلث : الدجل، والفوضي ، والنفاق، تولدت نتائج كثيرة، منها كثرة القتل،فسقطت هيبة الروح، وتدفقت الدماء في كل من :العراق وسوريا، وليبيا، والسودان، واليمن، ومن ثم حدث الإنكسار العسكري بهذه الدول.
وتمثلت النتيجة الثانية لهذا الإخفاق في نمو حالات :التعصب في جانب، بالتزامن مع إدعاء العصمة علي الجانب الآخر، فنبت الأرهاب البغيض بكل صوره، ليحصد الأخضر واليابس.
وقد أسفر في النهاية كل ذلك عن بروز حالة : فقدان الهوية، علي حساب فكرة الوطن، فحدث الإنكسار الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، في مناطق عديدة.
والسؤال الحيوي هل سيأتي اليوم الذي تذوب فيه كل تلك الأوجاع؟ أم ستتفاقم الأمور نحو ما هو أسوأ ؟
قد يرتبط الأمل في تصحيح المسار؛ بعودة إرادة البناء في قلب كل عربي من جديد؛ حتي تشرق شمس العدالة؛ لتضمض جراح المكلومين، بالعلم، والعمل.
مقالات اخرى للكاتب