يتطلب تحقيق إنتخابات عادلة ونزيهة الى أكثر من مجرد تعديل للقانون الإنتخابي ، ولعل أغلب الحديث الذي يجري اليوم – بين النخب المثقفة " الانتلجنسيا " ولاسيما السياسين والقانونيين – يُركَّز على تعديل قانون الانتخابات فقط ، وكأنه المنقذ الوحيد والسبيل المُخَّلص نحو تحقيق إنتخابات حرة وعادلة ذات مصداقية عالية ، في حين توجد في الأساس ثلاثة جوانب مهمة ينبغي مراعاتها من أجل تحقيق ذلك ، وهي : إصلاح المنظومة القانونية للإنتخابات ككل والتي من بين أهم عناصرها " قانون الانتخابات"، وإعادة النظر في البنى المؤسساتية للانتخابات ، فضلا عن تفعيل دور الاشراف على الانتخابات ومراقبتها.
سأتناول هذه الجوانب بشيءٍ من التفصيل في مواضع لاحقة ، وسأُركِّز الحديث هنا على موضوعة إصلاح المنظومة القانونية للإنتخابات ، وتحديدا " قانون الانتخابات" ، الذي يُعَّد العمود الفقري للعملية الانتخابية.
فالمنظومة القانونية للإنتخابات تشمل بشكلٍ أساس : الدستور، وقانون الانتخابات حيث يضم " النظام الإنتخابي" ، الذي يعَّد أحد أهم مفاصله ، فضلا عن القوانين ذات الصلة بالانتخابات والتي تؤثر فيها بأشكالٍ مختلفة ، ومن أهمها قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 المعدل ، وقانون الاحزاب رقم (36) لسنة 2015 الذي يعالج جوانب متعددة من أهمها ( تنظيم الأحكام والإجراءات المتعلقة بتأسيس الاحزاب او التنظيمات السياسية وأنشطتها ، وتسجيل الاحزاب وإعتمادها وإلغاء تسجيلها ، ومسائل الانفاق المالي في الانتخابات وغيرها) ، وقانون إستبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006 المعدل ، وقانون العزل السياسي والإداري الذي هو في العراق (قانون المساءلة والعدالة) ، وقانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية ، اللذان غالبا ما يعتمد على نصوصهما قانون الانتخابات وبعض أنظمة المفوضية ، ولاسيما نظام الشكاوى والطعون الانتخابية ، كذلك تعد الأنظمة واللوائح والاجراءات والقرارات وقواعد السلوك التي تصدر عن مفوضية الانتخابات أو الهيئات القضائية والدوائر والمؤسسات الحكومية التي تتعامل مع الشأن الانتخابي جزءا من المنظومة القانونية للانتخابات.
ولعل من من المهم التأكيد على ضرورة إصلاح وإعادة صياغة عناصر هذه المنظومة خلال سقف زمني محدد ، لاسيما قانون الإنتخابات الذي ينبغي أن يُشَّرع قبل سنة واحدة على الاقل من موعد إجراء الإنتخابات ، بغية الحؤول دون مفاجأة الأحزاب السياسية ومفوضية الانتخابات وغيرها من الجهات المعنية بالعملية الانتخابية بما يتضمنه القانون من نصوص قد لا تتلائم مع إستعدادات الأحزاب لترشيح وتسجيل مرشحيها، كذلك ما يتطلبه العمل الفني للمفوضية ، وفي مقدمة ذلك التهيؤ لعملية تحديث سجلات الناخبين التي ينبغي يجري التحضير لها عادةً بحسب الجداول الزمنية للانتخابات قبل ثمانية أشهر من تاريخ يوم الاقتراع على الأقل ، وغيرها من الجوانب التي ينبغي الإعداد لها في وقتٍ مبكر لكي لايشوبها الخلل أو يطالها التقصير. ولعل هذا الجانب يكتسب أهمية بالغة لغرض عدم الوقوع في فخ التسَّرع في صياغة أو تعديل مواد القانون مثلما حدث في أغلب الإنتخابات الماضية ، والذي أدى الى إشكاليات عدة يُفترض عدم تكرارها مستقبلاً ، إذ أن تأخر السلطة التشريعية في عرض هذا القانون المهم ضمن مدة مناسبة على المختصين في القضايا الانتخابية والقانونية وعموم الجمهور لمناقشته وتقديم الرؤى بشأن نصوصه قبل إصداره والمصادقة عليه ، ومن فرضه كأمرٍ واقع ، يعد مثلبة كبيرة ينبغي تجنبها على الرغم من أن الوقت حاليا قد تجاوز المدة المطلوبة لإقرار تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (36) لسنة 2008 المعدل في حيث لم يتبق على إجراء هذه الانتخابات سوى ما يناهز التسعة أشهر.
مع التذكير بأن هنالك العديد من القوانين والمواد ضمن المنظومة القانونية للانتخابات عَمِلتْ على هدر أصوات الناخبين والحؤول دون أن تكون مُعَّبِرة فعلاً عن إرادتهم ، لذا لا بد من القيام بإصلاحات حقيقية وعاجلة وإجراء التعديلات المناسبة بشأنها.
ومن الجدير بالذكر أن جوانب كثيرة ومواد عدة في قانون انتخابات مجالس المحافظات هي متماثلة مع تلك التي يتضمنها قانون انتخابات مجلس النواب ، وحيث ان الصياغة القانونية الدقيقة لقانون انتخابات المحافظات سوف يكون لدى التطبيق في الانتخابات المحلية بمثابة معيار لاختبار نصوصه ولاسيما ما يتعلق بنوع النظام الانتخابي قبل سَنٌ قانون إنتخابات مجلس النواب التي سوف تجري عام 2018 ، أي بعد عام على إجراء الإنتخابات المحلية ، ومن هنا تكمن أهمية إعادة النظر في قانون انتخابات مجالس المحافظات وتقنينه بما يتلائم والواقع الحالي الذي يمر به العراق، ولا سيما ما يتعلق بالنظام الانتخابي الذي يُعَّد العصب الأساس للقانون الانتخابي وأهم مضامينه.
أما المسألة التي لا تقل أهمية عن سابقاتها فهي تتمثل بضرروة إتخاذ قرارات في جوانب إدارية أخرى لدعم قانون الانتخابات من قبل جهات مختلفة ، منها تثبيت الحدود الادارية بين المحافظات والاقضية والنواحي ، وتوفير قواعد بيانات إحصائية عن السكان لغرض تحديد اعداد المقاعد لكل دائرة انتخابية ، وذلك من خلال إنجاز التعداد السكاني العام ، وإنجاز البطاقة الوطنية الموحَّدة ، من أجل توفير قاعدة بيانات أكثر دقة ، موثقة الكترونياً ومحدَّثة لسجل الناخبين – مع أن هذين المشروعين سوف لن يتم إكمالهما قبل بدء اللتحضيرات للانتخابات المحلية 2017 والبرلمانية 2018 - مع الأخذ بنظر الاعتبار أن التسجيل البيومتري الذي شرعت المفوضية بإعتماده منذ منتصف 2014 ولغاية منتصف 2016 لم يسجل أكثر من 20 % من الناخبين العراقيين حيث لا يوجد تسجيل لمحافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار، وهو يعني قد نكون بحاجة الى أكثر من ثمان سنوات أخرى من أجل إكمال تسجيل كافة الناخبين في عموم العراق إذا ما بقي الاعتماد على التسجيل البوميتري لوحده.
فضلا عن ذلك ، أجد من الضروري أن ينص القانون على مادة أو أكثر تخص التسجيل والتحقق الالكتروني ، التي بقيت مضامينه مبهمةً لدى الكتل السياسية والجمهور على حدٍ سواء في الانتخابات الماضية لمجلس النواب 2014 ، حيث لم ينص عليه القانون بوضوح رغم أهميته البالغة. ولدي العديد من الملاحظات والرؤى والمقترحات حول مواد قانون انتخابات مجالس المحافظات لا يتسع الحديث لسردها هنا ، حيث تناولتها بالتفصيل في كتابي الجديد الصادر حديثا والمعنون " " قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (36) لسنة 2008 المعدل قراءة تحليلية في والتعديلات المقترحة ".
إن التصورات التي نطرحها لعملية إصلاح المنظومة القانونية للانتخابات ، ستعمل بالتأكيد على ترصين عناصر الاطار القانوني للانتخابات، مما سيؤدي الى إجراء انتخابات أكثر عدالةً ونزاهةً، تحظى بمقبولية وتتمتع بمصداقية من لدن كافة المشاركين والمعنيين بالعملية الديمقراطية عامةً والانتخابية خاصةً، وفي ذات الوقت سُتقلل كثيراً من المنازعات الانتخابية ، كما ستوَّفر الأرضية الصلبة لبناء ديمقراطية حقيقية ملموسة وليست شعارات لا طائل منها.
يبقى السؤال المطروح : هل ستُعتمد "صيغة سانت ليغو" التي أُستخدمت في انتخابات مجالس المحافظات 2013 ، أم صيغة "سانت ليغو المعدلة" التي أُستخدمت في إنتخابات مجلس النواب 2014 ، اللتان ألغتا العمل بصيغة الباقي الاقوى لدى توزيع المقاعد الشاغرة المعتمدة في إنتخابات 2005 ، أو إسلوب منح المقاعد الشاغرة عند وجودها لدى القوائم المفتوحة الفائزة التي حصلت على أعلى عدد من الأصوات بحسب نسبة ما حصلت عليه من المقاعد لاستكمال جميع المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية كما تم العمل به في إنتخابات مجالس المحافظات 2009 وإنتخابات مجلس النواب 2010 ؟ أم سيجري إعتماد نظام انتخابي جديد يُطيح بهذه الصيغ وستنتفي الحاجة إليها مجتمعة ؟
هذا ما سنتطرق اليه في حديث قادم بإذن الله ، يُخصص للنظام الانتخابي والخيارات المقترحة لإيجاد بديل عنه أو لتعديله.
مقالات اخرى للكاتب