اعتادت الأمم المتحدة شهريا على أن تواكب ـــ و بدقة متناهية وعناية كبيرة ـــ عملية إحصاء و رصد و أرشفة أعداد القتلى و الجرحى العراقيين الذين قضوا نتيجة التفجيرات و الأعمال الإرهابية التي يقوم بها " المجاهدون الإسلاميون المدعومون من قبل بعض دول الجوار و كذلك من قبل بعض أثرياء و سلفيي الخليج ..
وهنا لا يسعنا إلا أن نشكر الأمم المتحدة على هذه العناية الفائقة و الرعاية الراسخة بالقتلى و الجرحى العراقيين ، و على حرصها الشديد على معرفة كم عراقيا يقتل و يجرح يوميا و أسبوعيا و شهريا وعلى مدار السنة لتعلن ذلك للعالم ... هذا العالم الذي يبدو إنه أخذ يمّل و يضجر من هذا الكم الهائل من أعداد القتلى و الجرحى العراقيين ومن التفجيرات المتواصلة التي أخذت طابعا يوميا ومألوفا بحيث حتى وكالات أنباء لم تعد تعير لها أهمية خاصة لهذه التفجيرات و أعداد القتلى ، أو تضعها في صدارة أخبارها المهمة و الرئيسية !..
فباتت عملية مقتل العراقي اليومية ، و كأنها عبارة عن حادثة مرورية أو حادث عارض لا يستوجب أدنى الاهتمام ..
هذا الوجه الأول و الظاهر لهذه العملة ، أما الوجه المخفي فهو يكمن في دور شاهد زور الذي لعبته و تلعبه الأمم المتحدة حتى الآن على هذا الصعيد ..
فالأمم المتحدة (و كجهاز أممي وصي على العراق) ومن خلال مندوبها الدائم في العراق ، كانت و لا زالت على إطلاع و بينة تامة من الأوضاع الجارية في العراق سواء من الناحية الأمنية المتأزمة دوما أو من باقي النواحي الأخرى ، ولا سيما من ناحية فرهدة ونهب المال العام العراقي ، ورداءة الخدمات الضحلة و المقدمة للمواطن العراقي ، بل إنها كانت تعلم جيدا بأن ثمة طغمة سياسية مجرمة و فاسدة حتى النخاع ، تتحكم بمصير الشعب العراقي و بكيان دولته العراقية شبه المنهارة تحت معاول الإرهاب والفساد ، و كما تعلم جيدا بأن هذه الطغمة السياسية المتحكمة فاشلة و عاجزة تماما عن إدارة شؤون الدولة و بأنها منهمكة باللصوصية فقط ، و كذلك المتاجرة بدماء الضحايا الأبرياء ، و ذلك من خلال تواطئها مع الإرهاب و الإرهابيين ، و بسبب هذا التواطؤ الإجرامي الوضيع يقتل شهريا كل هذه الأعداد الكبيرة من العراقيين المسالمين و يجرحون أو يتعوقون مدة الحياة ..
و مع ذلك و على الرغم ذلك من إنها ، أي الأمم المتحدة لا زالت وصية على العراق ، فأن الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا ، أو على الأقل من خلال مجلس الأمن الدولي ، ولم تفعل شيئا نافعا ومجديا يساهم في وقف طاحونة القتل العراقي اليومي و المتواصل حتى هذه اللحظة ، وإنما تكتفي بنشر تقرير شهري عن أعداد القتلى العراقيين ، معتقدة بأنها بذلك تكون قد قامت بواجبها الأممي إزاء العراق !!..
مع أنه كان بإمكان الأم المتحدة ، وتحديدا من خلال مجلس الأمن ، مقاضاة ومحاكمة غالبية أعضاء هذه الطغمة الفاسدة في محكمة لاهاي الدولية ، ليس فقط على صعيد نهب وسرقة المال العام و إنما بسبب ضلوع بعضهم المباشر بالعمليات الإرهابية وبعضهم الأخر بالتواطؤ مع الإرهاب و التغطية على الإرهابيين إلى حد تهريبهم من السجون والمعتقلات و فوق ذلك من مواقع ومناصب كبيرة وذات مسئولية مباشرة ..
و هكذا انتهت الأمم المتحدة ، كشاهد زور في العراق ، بدلا من أن تكون عامل مساعد على الاستقرار ومساعدة الشعب العراقي للخروج من محنته الحالية ..
هامش ذات صلة :
(الأمم المتحدة: 2881 قتيلا وجريحا سقطوا بشهر تشرين الأول في العراق ).