صدمة جديدة شكلها نفق حماس الكبير، الذي تم اكتشافه قبل ثلاثة أسابيع بالقرب من العين الثالثة داخل إسرائيل، تجاوزت الواقع الإسرائيلي المخطط له على مدى الفترات السابقة، برغم التجارب والأزمات المشابهة التي مرّ بها الجيش الإسرائيلي طوال فترة سيطرته على القطاع وبعد خروجه منه، باعتبار النفق من جميع جوانبه خارج عن المألوف، حيث أجبر القيادات في كلٍ من إسرائيل والولايات المتحدة إلى الشعور بالذهول المتواصل، وباتت تلك القيادات تتقاطر في رحلات كشفية للوقوف عليه ودراسته عن قرب لاتخاذها العبر في سبيل عدم تكراره. ومن ناحيتها، سارعت الولايات المتحدة في نفس الوقت بإيفاد سفيرها لدى الكيان لزيارة النفق المكتشف، الذي سارع هو الآخر باتهام حركة حماس وتوعّدها ومن يشايعها بأقسى الردود.
في وقتٍ لاحق، شكًّل النفق حجة قوية بالنسبة لإسرائيل، باعتباره خرقاً من جانب حركة حماس للهدنة المعقودة والمتفق عليها بين الطرفين (إسرائيل – حركة حماس) برعاية مصرية، في أعقاب عدوان عامود السحاب الإسرائيلي على القطاع في أواخر العام الماضي، وبادرت في أن تجعله سبباً للهروب إلى الأمام ليس لعدوان جديد، وإنما لتعمّد اختراق الهدنة، كمعالجات موضعية طارئة ضد حركات المقاومة بشكلٍ عام، والتي تتهمها باللجوء إلى خرق تلك الهدنة التي تتطلبها الحالة الأمنية الإسرائيلية. وقد تناست إسرائيل تماماً، كم كانت أكثر اختراقاً لها، وهي تعلم بأن النفق لم يكن قابلاً للاستعمال في الحال، وكان اعتباره بالنسبة لحركة حماس، كعتاد أمني وعسكري قابل للاستخدام عند زوال التهدئة وفي حال الضرورة فقط.
قبل اكتشاف النفق وإطلاق قذائف المقاومة، سجل الفلسطينيون عشرات الحوادث التي خرقت إسرائيل من خلالها حالة الهدوء التي كانت تحصل بين الفينة والأخرى، وكان الجيش الإسرائيلي يترجم بنود التهدئة بلغته العبرية على نحوٍ متناقض تماماً مع ما هو وارد. فبالإضافة إلى أن القطاع، من بيت حانون شمالاً إلى رفح جنوباً، الذي لا تزيد مساحته على مساحة قرية صغيرة، هو واقع مباشرةً تحت (أشعّة X) الإسرائيلية، فإن المسافة الفاصلة على الشريط البرّي الحدودي والأميال البحرية المتواضعة والمتفق عليها، هي مسافة تزيد وتنقص في كل لحظة، تبعاً للنشاطات وللرغبات العسكرية التابعة لها، كما أن المائة متر المنصوص عليها في الجانب الفلسطيني، هي ليست مُعدّة لتنفيذ عمليات عسكرية إسرائيلية، ناهيكم عن الاستفزازات اليومية الغير محتملة، التي تأتي من خلال تدريبات سلاح الجو الإسرائيلي على مدار الزمن ولا يجرؤ في نفس الوقت على التحليق فوق القرى الإسرائيلية المحاذية للحدود مع القطاع.
النفق ورغماً عن إسرائيل التي تعلّقت بنفاق الأمم المتحدة من أنه يمثّل خرقاً للهدنة، هو ليس كذلك بأي حال، بالمقارنة مع الإجراءات العسكرية الإسرائيلية المتتالية، من اقتحامات للحدود وقصفٌ بالطائرات ضد السكان الفلسطينيين هنا في أنحاء القطاع، وفي الضفة الغربية أيضاً، حيث الانتهاكات اليومية من عمليات اقتحام وقتل واعتقال وهدم وتشريد بحق الفلسطينيين وإطلاق يد المستوطنين للعبث بمقدراتهم ومقدساتهم، والتي تتم بعلم الأمم المتحدة التي ينطلق لسانها بالنسبة للإسرائيليين حالما تتقبل شكاويهم ضد الفلسطينيين. بالرغم من رؤيتها الفارق الكبير بين العدوان والمقاومة من ناحية، وبين أربعة شهداء من خيرة رجال المقاومة، ارتقوا خلال العدوان الصهيوني، حيث لم يُسمح للسكان أو فرق الإسعاف من جمع أشلائهم، بينما تم نقل جرحى الجنود الإسرائيليين بمروحية إلى مستشفى (سوروكا) في بئر السبع من ناحيةٍ أخرى.
الجيش الإسرائيلي وبرغم ما يعتبر بسماح البيئة السياسية والعسكرية العربية المضطربة والمشغولة على نفسها، من لبنان إلى سوريا إلى مصر بخاصة، والتي تشجع على خوض مرحلة عدوانية جديدة ضد القطاع، إلاّ أن حسابات متعددة، تمنع إقدامه على فعل ذلك، بالرغم من اقتراب العديد من الخبراء، من أن إسرائيل – كدولة- تسعى إلى العدوان ضد القطاع، ولديها استعدادات لشن حرب شاملة، تكون أشدّ اختلافاً عن الحروب السابقة، بسبب أن تراكمات الخشية في أم رأسها، تفوق بأضعاف الطمأنينة التي تحوزها داخل الصدر، برغم ما تملكه من قوة عسكرية زائدة عن الحدود. ومن ناحية أخرى، فهي أكثر مهارةً من حيث الحسابات المتعلقة بالحرب، لحسابها للهزيمة أولاً قبل حسابها للنصر. لا سيما وأنها ترى بأم عينها، تعاظم قوىً مقاوِمة أخرى داخل القطاع مساندة لحركة حماس وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي، التي باتت - إسرائيل - تحسب لها حسابها، بشهادة خبرائها السياسيين والأمنيين على حدٍ سواء. إلى جانب أسباب أخرى، وأهمّها الضغوطات الأمريكية بشأن عدم تصعيد الأمور أكثر من الحد، للحيلولة دون وضع أسباب إضافية من شأنها أن تعكّر صفو المفاوضات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو تعمل على وقفها بالكليّة، لا سيما وأن الوضع الحالي للمفاوضات لا يمكن وصفه بأنه تحت السيطرة إلى الآن. كما أن عدم الرغبة الإسرائيلية في تحريك الشارع الفلسطيني وخاصةً في الضفة الغربية، الذي نالت منه السآمة من الأوضاع بكافة مستوياتها إلى حدٍ بعيد، ستكون كفيلة على إجبارها بأن تظل بمنأى عن التفكير بشن عدوانٍ جديدٍ خلال الوقت المنظور على الأقل.
وبالمقابل فإن كل المتغيرات الأمنية المختلفة من جانب إسرائيل، وبالرغم من جرائمها البشعة، من خلال إيعازها للجيش بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الشعب الفلسطيني، مستغلة الأوضاع العربية المضطربة وصمت المجتمع الدولي باتجاه تلك العمليات، فإنها لن تعمل على تغيير سياسة حركات المقاومة، ولا من توجهاتها الأيديولوجية والاستراتيجية أيضاً، وعلى رأسها حركة حماس التي ستبقى - كما تؤكّد قياداتها - حركة مقاومة وطنية فلسطينية تسعى إلى الوحدة ورص الصفوف، وبأنها لن تحيد عن بوصلة تحركها أو عن استراتيجيتها، نحو تحرير الأرض وعودة الشعب الفلسطيني إلى دياره.
ولا شك، فإن من الجيّد البقاء على هكذا موقف، لصلاحه في صد العدوان الإسرائيلي المتكرر، لكن من الصعب أن نراه مجدياً كما ينبغي بمفرده، بسبب أن الواقع يتطلّب خطوات جريئة من الجميع الفلسطيني، وخاصةً من قِبل السلطة الفلسطينية، تنتصر من خلالها للمقاومة في القطاع – وكان لها سابقة مهمّة خلال وبعد عدوان عامود السحاب- وبالإمكان اتخاذها تلك الخطوات في التوّ واللحظة، باعتبارها تمثّل أبرز العوامل المهمّة، التي تعمل على كبح جماح التعديات الإسرائيلية، من خلال الضغط على حكومتها اليمينية المتطرفة، لوقف اعتداءاتها العسكرية غير المبررة ضد الشعب الفلسطيني. وأقلّها وقف المفاوضات الجارية، والسعي إلى ملاحقة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني في المحاكم والمحافل الدولية، باعتبارها فاعلة الأن أكثر من أي وقتٍ مضى، فهي إلى جانب الاستراتيجية المقاوِمة تكملان بعضهما ببعض، وتشكلان من غير شك، الصدمة الكبرى لإسرائيل في نفس الوقت.
خانيونس/فلسطين
1/11/2013
مقالات اخرى للكاتب