العامل السياسي وحده تقريباً من يتحكم في أحوال البلاد ، من الناحية الإجتماعية والأقتصادية والثقافية ، بسبب الخلل الواضح في بقية الفعاليات .
السياسة تؤثر وتتحكم في العامل الإجتماعي ، بل انها استنسخت الكثير من تجارب نخبها وسلطويتها لتزرعها في المجتمع ، فلا يمكن ان نقول غن الإقطاع انه قد ولد من دون جذور سياسية ، او حتى شكل العشيرة الحالي وتكريس اعرافها لم ينمو بهذا الشكل لولا تدخل العامل السياسي وصولاً للطائفية التي اصبحت اليوم بمثابة الوصفة السحرية لبقاء الساسة .
الإقتصاد ايضاً لم يكن افضل حالاً، ريعيته ، تملك الأراضي ، اهمال الزراعة بعد ذلك ، نمو كارتلات على علاقة وثيقة بالسلطات المتعاقبة وتحكمها في السوق ، كل ذلك كان ذات علاقة وثيقة بالسياسة ولم يكن نمواً اقتصادياً طبيعياً ، فحتى العوائل الثرية ورؤوس الأموال لم تكن ببعيدة عن ذلك سواء بالتبعية للسلطة او بمحاولة تجنبها.
الثقافة ونخرها ايديولوجياً وتفريغها من دورها في تنوير المجتمع نتيجة لتحكم الأحزاب السياسية السلطوية المتعاقبة ، فلا مثقف بدون بروباكندا حزبية وماكنة اعلامية تقدمه للناس طمعاً في تمرير اجندتها .
لم تكن هناك فعاليات حرة قادرة على ان تصنع مكافئاً موضوعياً للعامل السياسي الذي تحكم بكل شيء وشوهه وتركه مشلولاً وعاجزاً عن الحركة .
فكل شيء يرتبط بالسلطة حتى مع ولادة نظام ديمقراطي تعددي لا تريد السلطة فيه ان تصدق ذلك فتدس انفها في كل شيء ، ولا يريد الناس أن يصدقوا ايضاً انهم أمام مرحلة جديدة تختلف آليات التعامل فيها وهم وحدهم من يستطيعوا ان ينتزعوا حقوقهم منها .
وعلى مدى قرن كامل ، لم تكُ هناك رؤية ثقافية تستند لفكر موضوعي وعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية تُطرح من قبل مراكز بحثية او من قبل جماعات ثقافية او حتى من اشخاص لمستقبل البلاد ومحاولة تعميق وتجديد قيمها ، علاقة القوميات والإثنيات والأديان مع بعضها ، موقعها الجيوسياسي وسط منطقة ملتهبة ومهمة، علاقتها بدول الجوار ، وغير ذلك ، وهعلى الدوام ، كانت السلطة تتحكم في كل شيء معتمدة على هذا السبات !
حتى المعارضة التي نشأت كانت سياسية او دينية او قومية ولم يك هناك ثمة موقف ثقافي واجتماعي معتبر ، التغييرات والإنقلابات والثورات كانت تحدث وفق رؤية سياسية او دينية ، لذلك لم تكن هناك رؤية واضحة لما سيحدث بعد 2003 ، وعاد العامل السياسي مرة اخرى للإنقضاض على كل شيء والتحكم بكل شيء وسط سبات ثقافي واجتماعي جعل من البلاد تتحول الى ساحة معارك اقليمية وطائفية لعب الدور السياسي دوراً مهما في اذكائها ، وسط صمت اجتماعي وثقافي ومشاركة سلبية ايضاً .