تمر العلاقات الإنسانية على مختلف أنواعها بفترة عصيبة، بل الإنسان نفسه يمر بوقت شديد الحساسية، حيث تتصادم المبادئ والقيم مع الميولات والرغبات، فالحياة الحديثة وطبيعتها المتسارعة والتي بات يطغى عليها الجانب المادي بشكل سافر وواضح، حتى إن الرجل قد تخلى عن كثير من أدوارة في الحياة، أو على الأقل تلك الأدوار التقليدية التي تم توارثها، على سبيل المثال ما حكته إحدى الصديقات عن شاب تقدم لخطبتها ومصدر استغرابها أنه خلال طلب الزواج بدأ في سرد عدد من الجوانب المادية، وكأنه يتفق معها على الدخول في صفقة تجارية لا أكثر، مثل أن الصرف على المنزل سيكون مناصفة وأن تكاليف الزواج يجب أن تكون بالمشاركة، كما أنه يستبعد جوانب مثل المهر والشبكة، ويؤكد أنه يجب عليها أن تحافظ على عملها الوظيفي لأنه هو مصدر عيشها، حتى المطاعم والخروج للنزهة يجب أن تكون مناصفة إلا إذا رغب طرف بمجاملة شريكة بدعوته على حسابه. صديقتي تقول أنها كانت تضحك أثناء حديثه وفي البداية اعتقدته يمزح أو يحاول أن يخفف دمه، لكن المفاجأة أنه كان جادا. لم يكن لقاء صديقتي بزوج المستقبل محملا بالمشاعر وكلمات الاتحاد لتحدي المستقبل والتغلب على أي ظروف قد تعيق طريقهم، بل كانت جلسة عبارة عن توزيع للأدوار وكيفية الصرف المادي لا أكثر. بل الوضع ازداد جنوحا عندما دخل الموضوع للأروقة العلمية، ونشرت دراسة من جامعة بافيا في روما أكدت وفاة الحب وأن عمره الافتراضي لا يزيد على العام، وفسر العلماء السبب بأن كيمياء المخ قد تكون مسؤولة عن شرارة الحب الأولى، وارتفاع معدلات بروتين نيروتروفينز الذي له علاقة بنشوة المشاعر، وأن معدل هذا البروتين يكون مرتفعا في بداية الحب، ولكنه يبدأ في التراجع ليصل إلى المعدل الطبيعي بعد مرور عام تقريبا.
لكن هذا الوضع ليس على إطلاقه فالحياة المحملة بالحب ومشاعر حقيقية من الإنسانية والبعد عن الماديات موجودة رغم كل الآلام، فقد اكتشفت دراسة أمريكية أن الحب الحقيقي الذي يدوم إلى الأبد ولا يتضاءل مع مرور الزمن موجود، وتقول الدراسة التي أجراها علماء من جامعة ستوني بروك، في مدينة نيويورك الأمريكية، أنه بعد أن تم تصوير مقطعين لأدمغة أزواج تبين أن عدد منهم أبدى بعد 20 عاما من الزواج استجابات عاطفية تشابه ردات الفعل لأزواج حديثي الزواج. وقال الدكتور بروك أرثر أرون عالم النفس في الجامعة، إن هذه النتائج تتعارض مع الاعتقاد السائد أنه لا يوجد حب حقيقي دائم، ولكننا اليوم على يقين أن هذا النوع من الحب موجود فعلا. لكن لماذا نحتاج لدراسة علمية تؤكد لنا أن الحب الذي يستمر طول العمر موجود، السبب ببساطة أن هناك عوامل حياتية وتواترا شديدا في قصص انهيار علاقات عاطفية تم بناؤها على الحب، ليس في مجتمعنا وحسب بل في مجتمعات العالم بأسره، لذا بات الحب الأسطوري الخالد الذي لا ينهيه إلا الموت، كالخرافة والأسطورة نسمع بها ولا نراها.. لكنها لا تلغي وجوده، وأننا مؤكد سنصادف قلوب محبة، لكن بقليل من التفاؤل ونقاء القلب.