عاد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى العاصمة بغداد بعد زيارة للولايات المتحدة الامريكية التقى خلالها الرئيس الامريكي اوباما ونائبه بايدن. وقد وضع المالكي نصب عينيه تحقيق هدف واحد عبر هذه الزيارة الا وهو الحصول على دعم امريكي لبقائه في منصبه لولاية ثالثة فهل نجح المالكي في مهمته أم إنه عاد بخفي حنين؟
وقبل الاجابة على هذا السؤال لابد من القاء نظرة على أهم الاوراق التي حملها المالكي في جعبته ليلعب بها مع الادارة الامريكية . واول هذه الاوراق هي ورقة محاربة الارهاب التي اعتاد حكام المنطقة الدكتاتوريون على اللعب بها سعيا للحصول دعم امريكي يبقيهم على سدة الحكم . يأتي في طليعة هؤلاء معمر القذافي وعلي عبدالله صالح اللذين حذرا من مغبة سيطرة الارهابيين على بلديهم في حال سقوطهم في محاولة للتقرب للقوى الكبرى وفي طليعتها امريكا.
وذات الاسلوب يستخدمه المالكي اليوم في محاولة لكسب رضا ودعم الادارة الامريكية ولذا فقد ركز في مباحثاته على هذا الامر وسعى للحصول على دعم امريكي معتبرا ان كسر شوكة القاعدة في العراق يعني كسرها في المنطقة. الا ان المالكي فشل في اقناع الادارة الامريكية لدعمه في هذا المعركة ولسبب بسيط وهو ان المالكي غير جاد في مكافحة الارهاب .
فمن يعقد العزم على محاربة الارهاب وهزمه لايستخدم اجهزة فاسدة لكشف المتفجرات بان فسادها غير ان المالكي يصر على استخدامها لان سحبها يعني اعتراف منه بعدم فاعليتها وهو ما يعني تحميله مسؤولية كل الدماء التي اهرقت في العراق وكل الدمار الذي وقع في البلاد طيلة سنوات حكمه. ولو كان المالكي جادا في محاربة الارهاب لحشد كل القوى الوطنية في هذه المعركة غير انه تفرد في الامساك بالملف الامني مقصيا حتى حلفائه في الائتلاف الشيعي وتصرف بنفس دكتاتوري عبر سيطرته على جميع الوزارات والاجهزة الامنية .
ولو كان المالكي جادا في محاربة الارهاب لاستعان بالكفاءات العراقية ومن مختلف القوى الوطنية بدلا من الاعتماد على افراد حزبه من ضباط الدمج ممن لاعلم لهم ولاتجربة في هذا المجال وفي طليعتهم الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية وكذلك استعانته ببقايا البعث الصدامي الذين تحولوا الى عبيد مطيعين له كقاسم عطا
وقنبر وغيرهم . ولو كان المالكي جادا في محاربة الارهاب لما اقصى مبدأ الشراكة الوطنية في الحكم وخاصة على صعيد صنع القرار وهو الامر الذي ادى الى
انحسار الدعم الشعبي للحكومة في العديد من المناطق التي اصبحت مسرحا لقوى الارهاب .
ولو كان المالكي جادا في محاربة الارهاب لما ابرم اعوانه صفقات اسلحة فاسدة طيلة سنوات حكمه وتحت رعايته ودعمه كصفقة السلح الروسي والاوكراني والصربي والجيكي وغيرها . ولو كان المالكي جادا في محاربة الارهاب لعمق الروح الوطنية في البلاد والتي ضعفت اليوم بسبب طغيانه وفساد اعوانه وحمايته لهم حتى غاب القدوة وغابت القيم وغابت الدوافع التي تدعو للتضحية في معركة مكافحة الارهاب .
ان الادارة الامريكية على وعي تام بما يجري في العراق وبسياسات المالكي هذه التي لاتنم عن جديته على هذا الصعيد. واما الورقة الثانية التي حاول المالكي اللعب بها فهي ورقة العلاقة مع ايران والموقف من النزاع في سوريا. وقد لعب المالكي بهذه الورقة بشكل مضحك ومثير للشفقة والسخرية . فقد امر بتفتيش طائرة ايرانية متوجهة لسوريا خلال زيارته ليظهر للادارة الامريكية بانه جاد على هذا الصعيد وهذه لعبة مكشوفة لا يلعبها حتى طفل فكيف تنطلي على الادارة الامريكية ؟ فالكل يعلم بان المالكي لايمكنه الوقوف بوجه ايران وانه عاجز لاسباب مختلفة منها ضعفه وقوة ايران ومنها خشيته من انقلاب ايران عليه ولذا فهو على هذا الصعيد اعجز من ان يتخذ موقفا حازما حيال الطائرات الايرانية المتوجهة نحو سوريا.
واما الورقة الثالثة فهي ورقة شراء الاسلحة الامريكية وعقد الصفقات مع الادارة وتفعيل الاتفاقية الامنية ولقد فشل فشلا ذريعا هذا الصعيد بسبب موقف الكنغرس الامريكي منه والذي عبر عنه عدد من النواب وفي طليعتهم جون ماكين.فالكنغرس انتقد المالكي بشدة وطالب اوباما بحضه على جراء اصلاحات حقيقية في البلاد ووصفه بالدكتاتور .
. واما الوذقة الاخرى التي لعب بها المالكي فكانت ورقة الديمقراطية وهنا بدا المالكي متواضعا وواقعيا ذ اعترف بان الديمقراطية في البلاد ليست مثالية واعتبر ان مسألة بقائه في منصبه رهن بارادة الناخب العراقي وهو تصريح يثير السخرية ليس لدى الادارة الامريكية فحسب بل لدى العراقيين . فالكل يعلم بان المالكي خسر في الانتخابات النيابية الاخيرة وسعى وبطرق غير مشروعة للبقاء في منصبه سواء عبر حمله للمحكمة الدستورية على تفسير بعض النصوص بشكل شاذ ومخالف لكل الاعراف الديمقراطية او باستعانته بسلاح الفتوى لحمل بعض الاطراف على دعمه او بسعيه للحصول على دعم خارجي او عبر استخدامه للمال العام لشراء ضعاف النفوس او عبر نقضه للعهود والمواثيق التي قطعها للفرقاء والتي افضت لتشكيل الحكومة ، فعن اي ارادة شعبية يتحدث المالكي ؟ ام انه يتحدث عن اصوات منتسبي الاجهزة الامنية الذين اجبروا على التصويت لصالحه؟
نعم الارادة الشعبية تجلت وبشكل واضح في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة والتي فاز ائتلاف المالكي المؤلف من ستة قوى سياسية رئيسة فاز بسبعة وتسعين مقعدا من مجموع مقاعد ابمجالس والتي تقارب الخمسمئة مقعد في حين احرز تيارين فقد هما المجلس الاعلى والاحرار 118 مقعدا لوحدهم . واما حزب الدعوة الذي يتزعمه فلم يفز الا بواحد وثلاثين مقعدا من مجموع المقاعد وهي هزيمة من العيار الثقيل فعن اي ارادة شعبية يتحدث المالكي؟
لقد اراد المالكي عبر هذه الزيارة ايهام الرأي العام بانه مدعوم من قبل الادارة الامريكية الا ان الادارة سحبت البساط من تحت رجليه وميعت هذه الزيارات وذلك عبر دعوتها لكل من رئيس البرلمان العراقي ورئيس اقليم كردستان لزيارة واشنطن وبذلك فلا تبقى اي خصوصية لزيارة الماكي. لقد فشل المالكي فشلا ذريعا في تحقيق الاهداف المرجوة من هذه الزيارة وباختصار لقد خيب المالكي آمال الادارة الامريكية عبر تقديمه لنموذج سيء للديمقراطية التي جاءت بها امريكا للعراق ويبدو ان المالكي ورقة لعبت بها الادارة الامريكية اقليميا طيلة السنوات الماضية الا انها احترقت داخليا واقليميا ودوليا .
مقالات اخرى للكاتب