ليس غريباً أن تتحول نظرة العراقيين للمطر من الرحمة الى النقمة , ومعلومٌ أن ذلك لايشمل الفلاحين الذين تُسعدهم زخاته الناثرة للخير على أرضهم العطشى , أُمُهم وأم الجميع , بعد سنوات من الجدب , ومارافقها من أنشطة ( الجيران ) المتحكمين بمستوياتِ مناسيب المياه المُطلقه في دجلة والفرات وروافدهما , فللتحوًل أسبابه وللتحمٌل قدرةٌ قد تَخرُجُ عن أمكانيات البشر ! .
ونحن في بداية موسم الشتاء ومع زخات مطره الأولى , أطلقت الأستغاثة ( في الأعلام ) مدن البصرة والحلة وطبعاً جميع مدن العراق مرشحة لأطلاق أستغاثاتها من ( نعمة الأمطار) ! , ليس لأنها ( تكفر بالنعمة ) , بقدر ما بُحت أصواتها من الصراخ طوال العقد الماضي وهي تَفضح أساليب ودهاليز وآليات وبرامج ( مافيات الفساد ) المتحكمة في مشاريع ومقاولات ومنافذ صرف المال العام المخصص للخدمات في برامج الحكومة المركزية وحكومات المحافظات المفترض أنها منتخبة ! .
نحن هنا لانريد أن ندخل في ( كُوًة الفساد العام ) , أنما نَلتَقِط منها خيطاً فرعياً واحداً فقط , يَختص بمنظومة (مجاري تصريف مياه الأمطار ) , التي تمثل أحدى أُسس البنى التحتية لمشاريع الأسكان للعراقيين ومنها مدنهم الرئيسية والأقضية والنواحي التي يُفترض أن القائمين على خدمة ساكنيها هم من أبنائهم الشاغلين لمناصب حكوماتها , ونربط مع التقاطنا لهذا الخيط تكاليف خدمته المليارية في التخصيصات , لنخرج بنتيجةِ لاتَسُرالعراقيين وفاضحة لبرامج السياسيين ومعبرة لحجم وعمق مأساتنا في أنتخابهم .
وللأمانة أقول , أن الحال في هذا يتساوى فيه , واقع الشطرة في الناصرية وكميت في العمارة والزبير في البصرة والخضر في السماوة والشنافية في الديوانية والمشخاب في النجف والقاسم في الحلة والعزيزية في الكوت والخالص في ديالى والفلوجة في الأنبار وبيجي في صلاح الدين وتلعفر في الموصل والرياض في كركوك , ولاتحسبوا أن طويريج في كربلاء لاتنتظمُ مع أخواتها المبتليه بسرطان المافيات المخربة للوطنية العراقية التي نطمح لها , فقد غرقت طويريج ( مدينة رئيس الوزراء ) متضامنه مع أخواتها العراقيات , وبقدر مايكون غرقها طابعاً عراقياً عام يتحمل مسؤوليته نظامنا المحاصصي المقيت , لكنها تؤُشر على واحدة من أهم أختلاف الرئيس الذي ولد فيها عن الرئيس الذي أسقطه الأحتلال , دون أن يكون الأختلاف ( تميمة ً) للبناء المغاير الذي أنتظره العراقيون .
لقد كان المطر في زخاته الأولى على مدن العراق نزيهاً في فضح الفاسدين , دون أن يعدله عن الفضح حزبٌ أو تيارٌ أو مؤسسة أو تشكيل ساند لسياسي أو هاتفٌ من خارج الحدود , هذا هو المطر الفاضح لتشكيلات ومؤسسات ( النزاهة ) المعتمدة من غير النزيهين والمتواريه خلفها طواقم السراق والقتلة والمتاجرين بقوت الشعب ودماء أبنائه , هؤلاء المفضوحين بالأمطار كأني بهم حانقين على مسبباتها وقوانينها دون أن يفقهوا أنها مستعصية على برامجهم المتخلفة والخارجة على منطق التأريخ .
نحن العراقيون أبناء المطر ( الرحمة ) الذي نعتقده يغسل النفوس ويبعث رائحة الأرض ( أرضنا ) الطيبة التي جبلت بنا الوطنية الصادقة والمحبة والنخوة والأخوة والخير الذي يحيط بنا من كل جانب ويوفر علينا الغربة والتجافي والفرقة والمحاصاصات المقيتة التي يعتمدها السياسيون , نقول لهم الآن وبقوة وبتأثير , تباً لكم وأنتم تعتمدون نفس سياساتكم المفرقة لنا والضامنة لمصالحكم والقاسمة للعراقيين حصصاً في مشاريعكم , سوف نزحف لصناديق الأقتراع القادم كالسيل لنجهز على مشاريعكم ونعزلكم ونختار بديلاً عنكم , وطنيون حقيقيون شرفاء وغير مقامرين بآلامنا ودمائنا وطموحاتنا وأحلامنا , كي نرد على كل مشاريعكم الطائفية والشوفينية والبعيدة عن التراث الوطني العراقي .
مقالات اخرى للكاتب