ليست مفارقة أن يدعو رئيس الوزراء، نوري المالكي، إلى "حرب عالمية ثالثة" وهو يتحدث في (معهد السلام) بواشنطن، ذلك أن دولته، مفارقة متواصلة منذ صعوده، ليصبح رجل المرحلة الأمريكية ـ الإيرانية في العراق، وصولا إلى اعتباره الرجل الاول وبلا منازع في البلاد، حد انه لا يتورع عن الإشادة بـ (صولة )، نجله أحمد، على مراكز الفساد في المنطقة الخضراء.
السيد المالكي عاد من واشنطن في زيارته السابقة، أواخر العام 2011، مزهوا بـ (نصره) على (الشيطان الأكبر)، بحسب حلفائه الإيرانيين، حين رفض منح الأمريكيين أية حصانة لجنودهم في حال الابقاء على بضعة الاف منهم في العراق، وهو ما عجل الانسحاب الأمريكي وتسليم مفاتيح البلاد لرئيس الوزراء، المعمد بمياه بركة نائب الرئيس، جوزيف بايدن، الذي (هندس) صفقة منح المالكي ولاية ثانية. وفي أيام قليلة تلت عودته، لم يجد الرجل حائلا دون قول صريح بأنه انتصر على الإرهاب وأوقف الحرب الطائفية. السيد المالكي ذهب إلى واشنطن قبل أيام يسأل البيت الأبيض مساعدة عاجلة في الحرب على الإرهاب الذي كان انتصر عليه قبل عامين.
مفارقة الحرب العالمية الجديدة التي يدعو اليها المالكي انطلاقا من (معهد السلام)، قابلتها مفارقة أمريكية لا يجيد صنعها الا الرئيس اوباما، فمع ان رئيسنا جاء الى السلطة على اسنة الحراب الأمريكية، الا ان واشنطن اليوم تقول له بوضوح مجرد: الحل في العراق ليس امنيا (عسكريا) بل سياسيا، لتبدو واشنطن التي اورثت العراق في غزوها العام 2003 حروبا، اقرب الى (حمامة السلام)، لكنها الحمامة التائهة في وطن يعيش حروبا لن تنتهي الا بجعله حطاما.
المالكي الذي بدا دائما (ماهراً) في لعبة التوازن الأمريكي ـ الإيراني، انطلاقا من معرفته التفصيلية بان كل ما حصل في العراق بعد العام 2003 من عملية سياسية وبناء للسلطة، هو بتوافق أمريكي ـ إيراني، فاته هذه المرة ان المبدأ الأمريكي الاساس هو ضمان المصالح، وان ما كان اساسيا لأمريكا في عراق ما بعد 2003، لجهة جعله منطقة جذب للإرهابيين في كل العالم وتحويله منطقة قتل لهم، قد لا يبدو كذلك اليوم، حتى وان لوح (دولته) بخطر الإرهاب وضرورة شن (حرب عالمية ثالثة) للقضاء عليه، فالولايات المتحدة تركت حبل الامور في سوريا على غاربها، حتى بدت الثورة الشعبية هناك، وقد استولى عليها الإرهابيون الإسلاميون الذي ينشرون "الريح العفنة"، كما يقول المالكي، الذي يقدم نفسه في واشنطن صاحب مشروع لإطلاق "الريح المعطرة بالورود".
المالكي يفخر بانه (طرد) الأمريكيين وأقام هو وحزبه وائتلافه، الاحتفال تلو الاحتفال بذلك، وانضم اليه في تنظيم تلك الاحتفالات، رجال حلفائه الإيرانيين، حين رفعوا صور الإمام الخميني والمرشد الأعلى خامنئي احتفالا بـ (طرد الأمريكيين) من العراق، وذهب الى موسكو لشراء الاسلحة نكاية بالأمريكيين، لكنه وعلى طريقة الرئيس الأمريكي السابق بوش، عاد لرفع راية الترويع والتحذير من خطر الإرهاب، لكسب ثقة الأمريكيين، وتحديدا في البيت الابيض، انطلاقا من تأثير (معمدانه)، جوزيف بايدن، واستشارات مسؤول ملف العراق في الخارجية الأمريكية، برت ماكغورك، الذي رفضه الكونغرس حين رشحه اوباما سفيرا الى بغداد بعد الكشف عن سيرته غير المهنية والمتهافتة اثناء عمله في بغداد ضمن مكتب الامن القومي الأمريكي للسنوات 2004 ـ 2008 ومنحه أسرارا خطيرة لصحفية أمريكية مقابل خدمات (عاطفية).
قد يمنح اوباما بعضا من التقنيات والمساعدة اللوجستية للمالكي في الحرب على الإرهاب، لكنه بالتأكيد لن يوافقه على شن "حرب عالمية ثالثة" على الإرهاب، اللهم الا اذا تأكد ان صاحب (صولة الخضراء)، نجل المالكي أحمد، سيكون قائدها (المظفر)، حينها قد تتبدل المواقف وتمضي أمريكا إلى الحرب تحت راية (دولة حمودي).
مقالات اخرى للكاتب