إذا إفترضنا أن الإرهاب كطاعون سلوكي , أو وباء كشلل الأطفال والحصبة وغيرها من الأوبئة , فأن من الواجب على المجتمع الدولي أن يقوم بحملة لتطهير الأرض من هذا الوباء الذي يستفحل ويتطور , شأنه شأن أي وباء آخر أو مرض خطير يداهم البشرية بين آونة وأخرى.
ومن أولى أسلحة مكافحة الأوبئة هو تقوية المناعة ضدها , ومن ثم القضاء على الأوساط الحاضنة لها وأسبابها السلوكية , كالإهتمام بالنظافة وتثقيف الناس على الوباء وكيفيات مواجهته وعدم التعرض للإصابة به.
وقد نجحت البشرية إلى حدٍ ما بالقضاء على الطاعون , والجدري وشلل الأطفال , ولا تزال تحارب الملاريا والتدرن الرئوي ونقص المناعة , وذلك بالأدوية والإحتياطات الوقائية , وفي حالة الملاريا يتم ردم المستنقعات وأخذ الأدوية التي تمنع الطفيلي من التكاثر في الدم.
ووباء الإرهاب لا يختلف عن غيره , وتنطبق عليه نفس الآليات التي إستخدمتها البشرية للوقاية من الأوبئة التي فتكت بها على مدى العصور.
وما تواجهه الأرض في القرن الحادي والعشرين هو طاعون الإرهاب , الذي يقضي على البشر والعمران ويمحق التأريخ والإنسان , والمطلوب أن تستعيد الدنيا رشدها , وتتحكم بعواطفها المتأججة وتستخدم العقل والحكمة والتدبير الصالح للجميع , بدلا من الإنزلاق في متاهات إنعزالية ذاتية دفاعية تساهم في توفير المسوغات الكفيلة برعرعة وباء الإرهاب , وإمداده بالطاقات المادية والفكرية والإعلامية اللازمة لتقويته , وزيادة مناعته ضد المضادات الهادفة للقضاء عليه وتطهير الأرض من جراثيمه.
فالمطلوب ردم المستقعات , وقطع المياه عن البرك والحفر والأحواض الإصطناعية , ومنع الأوكسجين من التفاعل مع الماء , ورش المبيدات الكفيلة بقتل أوساطه الناقلة , والعمل الجاد والدؤوب على عدم تحويله إلى داء عضال كما حصل مع التدرن الرئوي , الذي تلوح في الأفق ويلات صولاته ذات المقاومة العالية جدا والعصية على العلاج.
ومن أهم اللقاحات التي توفر الوقاية الناجعه , هو توزيع أمصال الحصانات الفكرية , وبناء المصدات الثقافية والمعرفية الكفيلة بمنع تسرب فيروسات وجراثيم الوباء إلى الرؤوس.
فالإرهاب وباء فكري أولا وأخيرا , وكينونة إنفعالية ذات مؤججات عاطفية إقرانية شديدة القسوة والإثارة , تهدف إلى بناء المتاريس الإنفعالية اللازمة للرعرعة والإنتشار , وهذا ما أسهمت فيه بقوة وسائل الإعلام عن قصد أو غير قصد.
ومن أقوى المضادات الحيوية للإرهاب أن يتحقق منع الأحزاب المتأدينة من الجلوس على الكراسي السلطوية , لأنها منبعه وأصله , ومن الملاحظة الواضحة والمتكررة , أن الإرهاب يتناسب طرديا مع القدرات السلطوية للأحزاب المتأدينة أو المدعية بدين , لأنها وبلا إستثناء لا تؤمن بحقوق الإنسان ومتطرفة وأحادية النظرة وتؤمن بأنها صاحبة الحقيقة المطلقة , وأن عليها أن تمحق مَن لا يتفق وهواها ونوازعها الأهوائية المسماة دينا ورباّ.
وأي إجراء لا يشمل طرد الأحزاب المؤدينة من السلطة لا يمكنه أن يعالج الإرهاب , وإنما يساهم في ديمومته والإستثمار فيه!!
فهذه الأحزاب بؤر الإرهاب ومصدره وإن إدعت مخادعة بأنها تحاربه!!
مقالات اخرى للكاتب