قطع رئيس الوزراء العراقي زيارته الى الولايات المتحدة الامريكية وعاد خالي الوفاض من اي دعم امريكي لتولي ولاية ثالثة وهو ما كان يمني النفس به عبر اجتماعه باركان الادارة الامريكية وفي طليعتهم الرئيس اوباما . ولذا فهو اليوم بصدد استجماع قواه والتهيؤ للمرحلة المقبلة والحساسة خاصة مع استعدادا مختلف القوى السياسية لخوض الانتخابات البرلمانية المقررة في ابريل من العام القادم.
ولايبدو ان المالكي في وارد التخلي عن منصب رئاسة الوزراء من ناحية ومن ناحية أخرى فان ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة خاصة ليس بصدد التنازل عن امتيازات السلطة التي يتمتعون بها اليوم ولذا فسيخوضون معركة شرسة للحفاظ على مواقعهم. ولاتبدو رياح الناخب العراقي تجري بما تشتهي سفن المالكي . فالانتخابات المحلية الاخيرة افرزت واقعا جديدا على الساحة العراقية حيث شهدت تراجعا واضحا لدولة القانون عامة ولحزب الدعوة خاصة لصالح المجلس الاعلى والتيار الصدري اللذين اطاحا بحكومات المالكي المحلية في عدد من المحافظات العراقية وخاصة العاصمة بغداد والبصرة عاصمة العراق الاقتصادية.
ولذا فان المالكي وحلفائه يدركون بان الانتخابات القادمة لن تكون لصالحهم بل انهم سيمنون بهزيمة كبيرة خاصة بعد تدهورالوضع الامني مؤخرا والذي يتحمل مسؤوليته المالكي لوحده باعتبارها الوحيد الذي يتولى الاشراف على الملف الامني فضلا عن جملة فضائح الفساد التي كشفت عنها قناة البغدادية والتي عرت المالكي وحلفائه. ولقد ظهر التشاؤم واضحا في تصريح للمالكي وصف فيه الانتخابات القادمة بانها سيئة ووجه نقدا للشعب العراق معتبرا اياه لايحب هذه الحكومة.
ولذا فان المالكي اليوم يبحث جملة من الخيارات واولها:
الرد على الموقف الامريكي غير الداعم له بل والمهين بعد ان ماطل الرئيس الامريكي في استقباله ولمدة خمس ساعات فضلا عن وجهه المتجهم طيلة مدة المقابلة وعدم السماح له بالقاء خطبة في الكنغرس كما جرت العادة. ويتجلى هذا الرد في ارتماء المالكي بشكل كامل في احضان ايران.ولايبدو ان هذا الخيار حكيما فهو لعب بالنار ويعني خروج العراق من الفلك الامريكي ودخوله بالكامل في المحور الايراني المحاصر ويعني مزيدا من الاستعداء من دول المنطقة. ولذا فان هذا الخيار لن يقدم عليه المالكي بل انه سيحاول ارسال اشارات شكلية للادارة الامريكية مهددا بالتقرب اكثر من ايران .
اما خيار المالكي الثاني فيتمثل في تقديم تنازلات اكبر للادارة الامريكية والخضوع لتعليماتها بمافيه مطالباتها بالانفتاح على كافة المكونات العراقية وبكلمة اخرى الارتماء في احضان الادارة الامريكية بالكامل والتحول الى بيدق امريكي وهو مستعد لذلك مقابل دعمه للبقاء في الحكم. الا ان هذا الخيار سيعني سقوط المالكي في اعين من تبقى من الناخبين العراقيين خاصة وان التيار الصدري المتربص بالمالكي يعتبر العلاقة بامريكا خطا احمرا فكيف اذا كانت عمالة مطلقة؟ ولذا فانه من المحتمل ان يجري المالكي بعض الاصلاحات التي ترضي الادارة الامريكية طمعا في كسب رضاها.
اما خيار المالكي الثالث فيتمثل في اعلانه عدم الترشح لولاية ثلاثة كما وعد العراقيين عند اندلاع الربيع العربي وهو امر احفظ لكرامته ولماتبقى له من ماء وجه بدلا من ان يمنى بهزيمة شنيعة سيسجلها التاريخ. ولايبدو ان المالكي بصدد تبني هذا الخيار فهؤلاء الدكتاتوريون يرفضون التصديق بان شعوبهم قد لفظتهم فهو لايتعظ بنتائج الانتخابات المحلية الاخيرة وفيها مؤشر واضح على هزيمته وقد ظهر جليا تمسكه بالحكم عبر قوله وقول اركان ائتلافه بان ذلك رهن ارادة الشعب وهي كلمة حق يراد بها بها باطل فالكل يعلم ان رئاسة الحكومة امر تقرره الارادات الخارجية.
ورابعا ان يسعى المالكي وائتلافه لتأجيل الانتخابات النيابية المقبلة عبر عرقلة اقرار مشروع قانون الانتخابات كما تبين خلال النقاشات الجارية في البرلمان اليوم خاصة وان هناك عدد من القوى السياسية الاخرى التي تراجعت جماهيرتها تسعى في هذا الاتجاه.الا ان هذا الخيار صعب التحقق نظرا لان القوى الوطنية الاخرى والناخب العراقي واعون لمايجري في الساحة ولمخططات المالكي.
واما خيار المالكي الخامس فهو اعلانه الاحكام العرفية في البلاد على خلفية تدهور الوضع الامني وبالتالي تاجيل النتخابات النيابية ومن ثم بقاء المالكي اطول فترة ممكنة في السلطة وهو خيار مرجح خاصة اذا ما يئس المالكي تماما من الفوز في الانتخابات القادمة ومع عدم نجاحه في كسب دعم امريكا او ايران خاصة وانه ورقة توشك على الاحتراق تماما .
واما الخيار السادس فيتمثل في خوض المالكي وائتلافه للانتخابات القادمة بكل قوة وتسخير كافة موارد البلاد من اقتصادية وسياسية واعلامية لذلك وهو خيار لامحيص عنه اليوم الا انه من غير المرجح تحقيق المالكي لنصر في الانتخابات القادمة بعد ان فشل في الانتخابات المحلية برغم تسخيره للدولة ومواردها وتوظيفها لصالح اعوانه ولذا فمن المرجح الا يرشح المالكي نفسه لولاية ثالثة بعد الانتخابات بل سيطرح ائتلافه مرشح اخر سيبدأ لعبة تقديم التنازلات داخليا واقليميا الا ان هذه اللعبة لن تنجح هذه المرة كما نجحت سابقا وخاصة داخليا بعد نقض المالكي لاتفاقية اربيل.
وباختصار سيحاول المالكي وحزبه خلال الاشهر القليلة المتبقية من عمر حكومته تقديم ما يمكن من تنازلات لارضاء امريكا وايران وخداع الناخب العراقي وفي حالة عدم نجاحه في ذلك فسيلجأ لخيار اعلان الاحكام العرفية ان ساعدت الظروف الداخلية والاقليمية على ذلك ،وان لم تسمح فسيلجأ لتسخير كافة موارد الدولة وبشكل غير مسبوق لصالح قائمته واعتبار المنافسة في الانتخابات القادمة معركة حياة أو موت له ولحلفائه.
مقالات اخرى للكاتب