قبل أكثر من ستة وثلاثين عاما، أطلقت البشرية مسبار الفضاء "فويجر1"، إلى الفضاء وحتى يومنا هذا لازال يشق طريقة نحو اللامتناهي من العوالم والنجوم، ويعتبر هذا المسبار أول جسم صنعه الإنسان يصل لهذا البعد على طول التاريخ الإنساني. فقد أصبح الآن على بعد يقدر بأكثر من 18 مليار كيلومتر عن الشمس. وطوال هذه السنوات من رحلة هذا المسبار استكشف كل الكواكب العملاقة في النظام الشمسي؛ وهي المشترى وزحل واورانوس ونبتون بالإضافة إلى 48 من أقمارها. ويحمل "فويجر1" ومسبار آخر أسمه "فويجر"2، - أطلق في نفس العام - تحية إلى أي حياة خارج الأرض ربما يقابلانها بالصدفة، عبارة عن تسجيل بالفونوغراف وقرص من النحاس المطلي بالذهب، عليه أصوات وصور للحياة والثقافة على الأرض اختارتها مجموعة يرأسها عالم الفضاء الشهير كارل ساغان. هناك عدة أسئلة أثارها هذا المسبار، من هذه الأسئلة ماذا لو تلقى إشارة أو اتصالا من حياة أخرى، فإن الرد لن يصلهم إلا في مستقبل بعيد جدا، لدرجة أن الأرض نفسها تكون قد تغيرت. الغريب في هذا المسبار أنه سيظل يسير في الفضاء لعشرات الآلاف من السنوات، لكن طاقته التشغيلية ستنفذ في فترة قدرها العلماء بنهاية عام 2020، وعندها ستصمت أجهزته إلى الأبد.
الشيء المخيف فعلا والمحزن في اللحظة نفسها أن هذه المركبة وبعد أربعين ألف سنة من الآن، وبعد أن تقطع مسافة 10 تريليونات ميل في الفضاء الخارجي السحيق، عندها فقط سيقترب "فويجر1" من أقرب النجوم إلينا من ذلك الفضاء وهو النجم الذي أطلق عليه العلماء اسم:"793888+AC" وعندها سيكون "فويجر1" مجرد سفينة "شبح"، أو زائر غريبا يمثل حضارة موغلة في القدم، بل هي حضارة من ماض سحيق، لكائن يدعى الإنسان. ويقول العلماء أنه سيكون الأمر في قدمه أكثر إثارة للذهول والاستغراب من حديثنا عن حضارة الإنسان الأول البدائي، عند مقارنته بحياتنا وحضارتنا في هذا العام 2013. والأكثر دهشة هو ما عبر عنه أحد علماء ناسا، عندما قال:"من المحتمل أن يجري اتصال من نوع ما بين فويجر1 وسفن فضاء مستقبلية سيصنعها الإنسان من أجل سبر أغوار الفضاء السحيق. عندها سيعرف خلفاؤنا في الأرض أو غيرها أن ذلك لم يكن ممكنا لهم لولا ما صنعناه نحن بفضل هذه الآلة التي تدعى فويجر. والتي من المؤكد أنها ستكون في ذلك الزمن الغابر مجرد هيكل حديدي صغير، تقنياته وآلاته وتجهيزاته متواضعة جدا وبدائية بمقاييس ذلك العصر الأكثر تطور والأكثر تقدما في عالم التكنولوجيا وتقنيات سفن الفضاء".
المذهل عند الغوص في دراسة الفلك وعوالم الفضاء أن الزمن لا قيمة له، فالسنوات متواضعة جدا وقليلة، فمنذ أن أطلق "فويجر"، في رحلته التاريخية العظيمة بحق، مضت أكثر من ثلاثة عقود، وكثير من العلماء الذين اشتغلوا عليه واخترعوه قد توفاهم الله، وجاء جيل جديد من العلماء لإكمال المهمة التي لا أفق لانتهائها أو توقفها. من هذه الجزئية أعتقد أن طرق الإنسان في حساب الزمن قد تتغير عندما يخترع طرقا جديدة في التنقل بين هذه العوالم الواسعة من الكون.. أقول قد..