ينزوي في ركن بعيد، يرقب الأشياء بصمت، يحصي عليك انفاسك، خطواتك، ينظر الى لباسك، هل انت انيق كفاية لتثير حنقه؟ هل انت ناجح في عملك؟ هل تخطط وتفكر بشكل جيد؟ هل لديك معجبات كثيرات؟ هل عدد اصدقائك ومعجبيك تجاوز الآلاف؟ هل تظهر في الفضائيات كل يوم؟ هل تكتب عنك الصحف كل يوم؟ هل فلان، اللامع في حقل ابداعه، صديقك؟ هل يشاركك افكارك؟ هل تتمازحان سوية انت ونجمة ما؟ وهل وهل وهل، فاذا كان، تحضر لك، ومثل ذئب – لا أقول مثل كلب لأنني احب الكلاب- يثب عليك، ولأنك اعلى منه، يقفز عدة مرات ويسقط على قدميه متألما، متمعنا بالكراهية، يعود الى زاويته، يجلس على كرسي احقاده، يشحن صدره بطلقات من حسرات ويبدأ بالعواء، ساحته صفحات الفيس بك سريعة الزوال، يغره اعجاب من افّاق آخر، او تعليق من ذئب اخر، في الليل يأخذ قرص فاليوم ليوقف صراخ الكراهية الذي يعجّ في راسه وينام، ولا ينام، يقلق، يبحث عن حل، يشرب العرق المعتق بشعوره بالقصر والدونية، مزته سكائر رخيصة وكومة خصومة مرّة مع نفسه أولا ومع الاخرين، يتناوشك من جديد، يبحث في مزابل النظام السابق عله يجد قصاصة تدينك، يبحث في قاموس صداقاتك، النسوية منها خاصة، عله يجد حاجته في واحدة. "هلو"، يكتب لها، تقول له "أهلا" ذات غفلة، او لانها شاهدته محشورا في قائمة اصدقائك، يشوه سمعتك، "تفاجأتُ عندما رأيتك صديقة له"، "لماذا؟" تسأله، "إنه زير نساء ويشوه سمعة من تقع في غرامه فاحذري، انه يسكر في اتحاد الادباء، انه (طنطة)، انه مدعوم من الحزب الفلاني، سني متطرف، شيعي طائفي، صفوي"، تبتسم صديقتك وتضربه "بلوك" الكتروني، يزداد سكره طيشا، يذهب الى زوجته واطفاله العراة حتى من محبته، يصب جام غضبه عليها، المسكينة ام عياله، تشم في فمه رائحة الذل والعرق المغشوش، تتركه وتنام، يعود الى ملعبه الافتراضي، يكتب، هذا تربى في أروقة المخابرات الصدامية، هذا كان يعمل في البلدية، هذا كان خلفة بناء، هذا كان يبيع الشاي في علاوي الحلة، هذا كان مع عدي، وهذا مع سبعاوي، وهذا كان عضو قيادة شيئية، ثم يسكت، يأخذ نفسا عميقا، هل انام؟ يسأل نفسه، ليس بعد، يقول، هذا سرق قصيدته من فلان، وهذا سرق رسمه من علان، وعلان التشكيلي يقلد فلان، كلاهما يسرقان من علان الأمريكي الذي مات في الخمسينات، هذا (يتعيقل) يعمل من حاله مثقفا فينشر أسماء الكتب التي قرأها، هذا سرق مسرحيته من فلان، وتلك فارغة تنشر صورة قدر الدولمة بنت الـــ.... صاحبها فلان، يشعل سيكارة أخرى ويرتشف بقايا كأسه ويمسح شفتيه بظهر كفه، يصفن قليلا، يدخل الى صفحتك الشخصية، يقلب صورك، يقرأ تعليقات معجبيك، يقرأ نجاحك في عيون محبيك، هذه الجميلة التي لا تطيق النظر اليه حتى، تعانقك في نجاح ما، في مسرح ما، في قاعة عرض ما، في مهرجان ما، وهذا المثقف الكبير يصفق لك بفخر، واطفالك، ما احلاهم، ما حلى ثيابهم، ما هذا؟ البوم للجوائز التي حصلت عليها، والبوم آخر لمحبين رسموك في لوحات ملونة، وهذا شاعر كبير يكتب عنك قصيدة ويلقيها في محفل مخملي، ما هذا؟ انت عضو في لجنة تحكيمية، وانت عضو في لجنة استشارية، ما هذا، الوزير الفلاني يستشيرك ويسمع شورك، والوزارة الفلانية تريدك موظفا مرموقا فيها وانت ترفض، انت ناجح جدا، ناجح لدرجة تتعبني، ماذا أنا؟ انا لا شيء، لا شيء اكثر من وعاء ارمي فيه كل يوم لتراً من العرق وثلاث علب من النيكوتين وما شئت من اطنان الكراهية، يرمي راسه على الوسادة بجبر السكر، ينام بعد ان اطمأن الى انه شتمك جيدا وشوه سمعتك جيدا، في نهار اليوم التالي، يستفيق ظهرا ورأسه تدور وحوله الأشياء تدور مثل روحه المعذبة، قبل ان يتبول قرفه، يتأكد مما نشره ليلة امس في معركته الافتراضية، يجد غباءه مسطرا امامه والتعليقات تتناوله بالشتائم تارة وبالسخرية تارة أخرى، وباعجابات من امثاله، يدرك غباءه، بعد ما اشرب عرك، يقول، خرب....، يمسح كل شيء، يقف تحت الدش محاولا إزالة ادران الحسد من جسده وقلبه وروحه، يخرج من الحمام، يجد نفسه في بيته –غالبا ما يكون مستأجرا- وحيدا، فزوجته اقترضت سيارة الأجرة من جاره واخذت عياله وذهبت الى بيت أهلها، تاركة الذئب الكارتوني، فارس الزمن الافتراضي هذا يعوي، يعوي وحده، وحده الى الابد.
مقالات اخرى للكاتب