مالذي يجري هنا داخل الحكومة العراقية وبالتحديد في اروقة مجلس الوزراء في الساعات المتأخرة المتباطئة من الزمن المتسارع الذي بات يسبقنا بأشواط شاسعة وتباين كبير لامتناهي كما بين الارض والسماء !!
هل ان مايجري داخل اروقة مجلس الوزراء هو اعداد طبخات من القرارات السريعة من اجل مواجهة تحديات وازمات مستدامة أم انها مجرد حلول ترقيعية مهترئة ولدت متأخرة جداً وبعد مخاض عسير تسير ببطئ شديد كسير سلحفاة سقيمة متعكزة على رمال ناعمة !! وان كانت قرارات رصينة لِمَ لم تجد طريقها الى النور منذ زمن بعيد ؟ ولكنها على مايبدو انها مجرد إجراءات باهتة او حلول ترقيعية لمداراة وضع معين او ردم فجوة بسيطة من بين جملة من الفجوات !!
الحل الترقيعي من اجل ردم فجوة او تضييقها على حساب فجوات وازمات اكثر اهمية واكبر جسامة سوف يولد او ينجم عتها فجوات اخرى تتحول بسرعة الى أزمات متلاحقة متلاحمة واكثر من ذلك تتسم بالاستدامة !!
وأقولها بقوة وبكل صراحة :
بأن الفجوات والازمات المتلاحقة والمستدامة التي تعاني منها البلاد يعود اسباب ظهورها واستشرائها وتمدد رحاها الى القائمين او المكلفين على ادارة الملف الحكومي للبلاد بكل ابعاده ومستوياته !؟
ان تصدر قرارات ضعيفة منقوصة ومهترئة وفي الوقت الضائع من الزمن المتسارع ... فهذا أمر غير مقبول يثبت ويؤكد تماماً وبلا شك مابين الشعب والحكومة هو بون شاسع كما بين السماء والأرض !! وان هموم ومعاناة أبناء الشعب في وادٍ سحيق بينما هموم مسؤولي الحكومة بكل أحزابها وكتلها في اعلى الوادي !!
إذاً ... فالعيب يكمن في المكلفين على ادارة الملف الحكومي للبلد بكل مفرداته وعناوينه ...
فالفجوات والازمات المتلاحقة التي تعصف بالحكومة والبلد سببها الحلول الترقيعية المهترئة المتأخرة جداً وغير المتوازنة ... واليكم نموذجاً صارخاً لواقع الحال المترنح ألا وهو :
[ سلم رواتب الموظفين الجديد الذي تم إقراره من قبل مجلس الوزراء ] !!!؟؟؟
- فاين كان المكلفين على ادارة الملفات الحكومية للبلاد من هكذا ملف ( سلم رواتب الموظفين ) الحيوي الحساس الذي يشكل القوت الأساسي لابناء الشعب في الوقت الذي يتقاضى فيه المكلفين على ادارة الملفات الحكومية وكتلهم وأحزابهم ومقربيهم رواتب وامتيازات خيالية أسطورية لم يخلق الله مثلها من سلطان !!؟؟
- ان إقرار مثل هكذا سلم رواتب مهترئ منقوص يعاني .. يطرح العديد من علامات الاستفهام والتعجب ؟؟!! خصوصاً وان وضعه وإقراره في ظل أزمات اقتصادية ومالية مترنحة تعاني من وطأتها الحكومة والبلاد عموماً يبعثان على الشك في قدرة المكلفين على ادارة الملفات الحكومية وعدم مصداقيتهم ..
- وعلى مايبدو جلياً بان المكلفين على وضع سلم الرواتب الجديد بهكذا صيغة كارثية مشغولون تماما بخصوصياتهم ولا تهمهم سوى محاصصاتهم ومصالحهم النفعية التى تم تغليبها على الصالح العام ... مما يثبت ويؤكد بلا شك بان المكلفين على وضع السلم بعيدون كل البعد عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور لمجتمع شرائح الفقراء من أبناء الشعب ، وأنهم يجهلون تماماً لغة التوازن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية ويجهلون بشكل مفرط دور واهمية الاقتصاد المتوازن في تحديد الرواتب لفئات الموظفين ، وهذا الجهل بطبيعة الحال ناجم عن جهلهم لغتي الأرقام والتحليل المقارن !!
- وان جدول سلم الرواتب الجديد نفسه ملئ بالاخطاء والانحرافات وغارق بالفجوات !! وهو بحد ذاته يمثل فجوة وازمة كارثية لأيحمد عقباها ، مما يؤكد بان المكلفين على وضع السلم المذكور لايفقهون لغة العلم والمنطق لا من قريب ولا من بعيد !!
والاهم من ذلك ان وضع سلم رواتب الموظفين بهكذا صيغة مهترئة غير متوازنة وغير مدروسة وإقراره بشكل منفرد وبمعزل عن كافة المعطيات والاستحقاقات القانونية المشروعة لبقية شرائح المجتمع العراقي ممثلاً بقدامى المتقاعدين ، سوف يخلق فجوة وازمة عميقتين بين رواتب الموظفين ورواتب المتقاعدين الحاليين خصوصاً الذين يستلمون رواتب شحيحة كگضبة عدس كما يقال !!
هاجس هذه الفجوة او الأزمة تتمثل بظهور تمايز فئوي طبقي ضمن نفس المجتمع العراقي !!
طبقة نخبة كبار الموظفين اصحاب الدرجات الخاصة ومن هم في اعلى الهرم المنتفعين من الامتيازات الخاصة .. والبعيدين عن هموم ومعاناة أبناء الشعب ...
من اين وكيف تتحقق تلك المزعومة ( المصالحة الوطنية ) وأنتم اصحاب القرارات تميزون بأصرارعجيب وفئوي بين قوت الشعب ومصادرة أرزاقهم ... ؟؟!!
فلا حياة لمصالحة وطنية يشوبها التمايز الفئوي والطبقي ، ولا حياة لمصالحة وطنية بلا عدالة اجتماعية وتوازن اجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع ..
لذا وعلى ضوء المؤشرات المذكورة سلفاً أضع أمام كل من يهمه الامر صيغة شفافة منطقية وعقلانية واكثر قبولاً وقناعة لمعالجة ازمة الرواتب التي شغلت المكلفين على ادارة الملفات الحكومية ... اذكرها وفق الآتي :-
أولاً : قبل اتخاذ اي قرار يتعلق بسلم رواتب الموظفين يتوجب وليس يفترض على مجلس الوزراء :
- الغاء المخصصات الاستثنائية والامتيازات الخاصة للرِئاسات الثلاثة ولكافة المسؤولين الحكوميين في الوزارات ومفاصلها بدءً من مدير عام فأعلى صعوداً وبدون استثناء ، اي بشكل شمولي عام .
- تقليص الرواتب الاساسية ( الاسمية ) بنسبة لا تقل عن (50%) للرِئاسات الثلاثة على ان لايزيد راتب كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس البرلمان عن (7) سبعة مليون دينار لكل منهم في الشهر .والتقليص يشمل رواتب النواب ايضاً على ان لا يزيد راتب النائب عن (4) أربعة مليون دينار في الشهر لكل نائب في البرلمان ..
- الغاء عقود عمل كل من المستشارين والوكلاء وغيرهم من اصحاب الدرجات الخاصة ومن بدرجاتهم ممن يستلمون رواتب تقاعدية من الحكومة اضافة الى رواتب العقود ، وانهاء عملهم وفك ارتباطهم سواء في الرئاسات الثلاثة او مختلف الوزارات ، وبدون اي استثناءات لكون هؤلاء باستلامهم رواتب وامتيازات مزدوجة يشكلون كبيراً على الميزانية العامة للحكومة .
- مصادرة اموال المسؤولين الفاسدين بكل كتلهم وأحزابهم والمنهوبة من أبناء الشعب ، سواء المهربة او في الداخل .
ثانياً : على مجلس الوزراء سحب سلم رواتب الموظفين الجديد وإعادة تدقيقه ومراجعته والتصرف بعلمية وعملية في وضع صياغة جديدة للسلم اكثر عقلانية وقبولًا وبما يحقق العدالة الاجتماعية والتوازن الاجتماعي لكافة الشرائح المشمولة بالرواتب الحكومية من موظفين ومتقاعدين على حد سواء ، ووفق الآتي :-
- ان تكون اللجنة المختصة المكلفة بأعداد ووضع سلم الرواتب من أكاديميين اكفاء مستقلين ليس لديهم اية ارتباطات حزبية او كتلوية ، ومن ذوي الاختصاص والخبرة في مجالي الاقتصاد والمال .
- تقوم اللجنة المختصة بوضع وصياغة سلمين مترادفين للرواتب في أنٍ واحد ..
سلم لرواتب الموظفين : ومن المفضل ، بل وانصح بالعودة الى سلم رواتب الموظفين السابق الصادر بموجب القانون رقم (22) لسنة 2008 لكونه اكثر رصانة وعقلانية وقبولًا ... على ان يتم تعديله باسلوب إيجابي وليس بشكل سلبي !! كما في السلم الجديد والذي (اي التعديل السلبي ) يعد سرقة سافرة وصارخة من قوت الموظفين ومن مصدر أرزاق عوائلهم الأساسي .. ويكون التعديل الإيجابي من خلال اضافة زيادات مناسبة الى سلم الرواتب لكافة درجات السلم بدءًمن ال(10) العاشرة وحتى الدرجة ال (1) الاولى ، على ان تكون الزيادة على شكل نسبة تناقصية او تنازلية تبدءً بزيادة عالية على الدرجات الدنيا ال 7,8,9,10) تتناقص تدريجياً عند الدرجات (1,2,3,4,5,6) . أما بالنسبة الى رواتب اساتذة الجامعات والكوادر التعليمية فيها فأرى من الضرورة بمكان الإبقاء عليها وعدم المساس بها خصوصاً قانون الخدمة الجامعية الذي تم المصادقة عليه من قبل البرلمان السابق في حينه .
سلم لرواتب المتقاعدين القدامى والحاليين .
- يتم تضمين جدول سلم رواتب الموظفين برواتب الموظفين حسب الفئات من اعلى سلم الهرم الحكومي نزولاً الى الموظفين عند أدنى درجة ضمن نفس السلم . اي كالأتي :
فئة خاصة عليا (أ) : رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان
فئة خاصة عليا (ب ) : النواب والوزراء ومن بدرجاتهم .
فئة خاصة عليا ( ج) : الوكلاء والمستشارون ومن بدرجاتهم .
فئة عليا ( أ ) : المدراء العامون ومن بدرجاتهم .
فئة عليا ( ب ) : الخبراء والمدراء التنفيذيون ومعاوني المدراء العامون .
بقية فئات الموظفين : من الدرجة الاولى نزولاً حتى الدرجة العاشرة .
حيث ان ما يطبق على فئات الموظفين ضمن الدرجات ( الاولى العاشرة ) من حيث المخصصات والامتيازات الاخرى ينطبق تماماً على موظفي الدرجات العليا الخاصة والدرجات العليا ..
وان الغاية من توحيد سلم الرواتب وتضمينه لكافة الفئات وفق الأسلوب المذكور سلفاً هي من اجل ان يتعرف كافة الموظفين على ما يتقاضاه مسؤولي الحكومة من رواتب كأنهم داخل صندوق زجاجي شفاف ..
ثالثاً : ان تكون التغييرات المادية من زيادات وإضافات الى سلم الرواتب الجديد للموظفين مابين المراحل وضمن الدرجات متعاقبة بشكل متكافئ ومتوازن وليس بشكل حاد ومتذبذب ، وذلك من اجل تلافي الفوضى والإرباك وما يرافقها من فجوات وانحرافات محتملة تتسبب بحدوث تمايز وغبن بقسم من فئات رواتب الموظفين ، وبالتالي ينعكس الخلل او الانحرافات سلباً على الميزانية العامة للحكومة .
رابعاً : أما جدول سلم رواتب المتقاعدين فمن المفضل تضمينه بالتعديلات والإضافات وفق الآتي :-
- اضافة مخصصات إعالة الاسرة الى الراتب التقاعدي كأن تكون بنسبة (1%) .
- زيادة مخصصات الشهادة بجعلها بنسبة :
بجعلها (15%) لشهادة الدبلوم .
و (25%) لشهادة البكلوريوس .
و(35%) لشهادتي الدبلوم العالي والماجستير .
و(45%) لشهادة الدكتوراه .
- زيادة مخصصات غلاء المعيشة بجعلها (2%) بدلاً من (1%)
- ان لايقل الحد الأدنى للراتب التقاعدي عن (600) الف دينار في كل شهر .
- في حالات حدوث تضخم نقدي يتم اضافة زيادة نسبية الى رواتب المتقاعدين بعد اجراء مراجعة منتظمة للواقع الاقتصادي والمالي كل (6) اشهر .
[ انتهى بعون الله وحمده
مقالات اخرى للكاتب