تابعت صحيفة الغارديان” البريطانية رحلة الآثار العراقية المنهوبة من قبل تنظيم “داعش والتي تجد طريقها إلى مزادات بيع الآثار في لندن ونيويورك، فالكثيرون قد شاهدوا خلال تجوالهم في شوارع لندن آثاراً من سوريا والعراق معروضة للبيع في المتاجر البريطانية، وتنقل الصحيفة عن خبراء آثار، دهشتهم من سهولة الوصول إلى مثل هذه القطع الأثرية القيمة، التي قد يرجع تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، في العاصمة البريطانية و الطريقة التي وصلت بها الآثار إلى لندن وعواصم اوروبية اخرى. فالكثير من التجار لا يملكون وثائق رسمية في حين أن بعضهم يتهرب من الإجابة على أسئلة من هذا النوع. مدن أوروبية كثيرة منها جنيف وبازل وزيوريخ وكذلك مدن ألمانية أضحت مقصداً للتجار الساعين وراء الآثار المنهوبة حيث يعملون على إصدار أوراق رسمية لها عن طريق نقل ملكيتها من شخص إلى آخر وبالتالي يتمكنون من بيعها في مزادات لندن ونيويورك، كما أن صور الأقمار الصناعية تؤكد انتشار مئات الحفريات غير القانونية في المواقع الأثرية المصنفة تراثاً عالمياً في سوريا والعراق.23 مزادا في دول مختلفة تقوم بعرض وبيع الاثار العراقية ، بعد ان نجح بعض السراق والمهربين في بيعها لوسطاء وتجار اثار، كما ان قسما كبيرا من القطع الاثرية المهمة سرقت من المتاحف خلال احداث الحرب في العام 2003 ، ورغم ان وزارة الاثار العراقية عملت على تعميم قائمة تضم اسماء المزادات التي تتاجر بالاثار العراقية، لكنها لم تستطع حتى الان من استرجاع كامل الاثار العراقية المسروقة .
ملاحقة
وزارة الاثار والسياحة العراقية كشفت عن نية مزاد اميركي في نيويورك بيع مجموعة آثار عراقية، وقالت انها اتخذت الاجراءات القانونية للحيلولة دون ذلك ، ففي مزاد كريستي في نيويورك ستعرض مجموعة من الآثار العراقية للبيع خلال هذه الايام، وبرغم سعي الوزارة لايقاف عمليات المتاجرة بالاثار العراقية، الا ان بعض الدول تسمح قوانينها ببيع الاثار المهربة، مما وجب على الوزارة دعوتها للامتثال للقرارات الدولية الخاصة بحضر المتاجرة بالاثار العراقية المسروقة ومنها القرار 2199 الصادر في شباط من العام الحالي.
و اكدت الوزارة انها مستمرة وجادة في متابعة الآثار العراقية المسروقة وملاحقة كل المتورطين بتهريبها من خلال التنسيق مع اليونسكو والانتربول الدولي وسفارات العراق في الخارج والتي اسفرت عن ايقاف بيع الكثير من القطع الاثرية العراقية خلال العام الماضي في المزادات العالمية فضلا عن استرداد مئات القطع الاثرية من الخارج. وساهمت بشكل فاعل على تعديل اتفاقية اليونسكو لسنة 1970 لتعالج موضوع الآثار المستخرجة من الحفر اللاقانوني والسرقات التي تمت قبل ابرام الاتفاقية.
عصابات
الباحث الاكاديمي في الاثار والتراث حسن صافي الموسوي بين: ان المتاحف العراقية وقع عليها حيف وتجن من قبل عابثين لم يقدروا قيمة الاثار العراقية وقيمتها الوطنية ، فبعد ان اقتحمت المتاحف خلال حرب العام 2003 سرقت الاف القطع الاثرية من قبل بعض العصابات المنظمة واشخاص اخرين لهم اهتمامات ومعرفة بقيمة انواع محددة من القطع الاثرية التي يمكن ان تباع في الخارج، وتم تهريبها تباعا الى دول ومزادات عالمية تشرف عليها مافيات دولية، الامر الذي صعب على الدولة العراقية استرجاع اثارها التي بيعت بملايين الدولارات، فحتما من يشتري تلك الاثار لن يتبرع بها لارجاعها للمتاحف العراقية، واضاف الموسوي : اغلب الاثار التي تطاردها وزارة الاثار الان ، هي اثار سرقت من المتاحف، واخرى هربها تنظيم داعش لاحقا بعد سيطرته على بعض المناطق في العراق، لكن المهم منها هو ماسرق اثناء تغيير نظام الحكم على يد القوات الاميركية العام 2003 ، والتي سرق بعضها من قبل مخابرات دولية كانت تعبث في مؤسسات الدولة بعد الفراغ الامني الذي خلفته الحرب .
سفارات
السفير العراقي في واشنطن لقمان فيلي بين ان السلطات الاميركية تلاحق على اراضيها تاجرا لبنانيا يبيع اثارا عراقية مسروقة بالتعاون مع تنظيم داعش، موضحا ان هذا التاجر حاول بيع اثار عراقية في الولايات المتحدة الاميركية مسروقة من احدى المناطق التي تخضع لسيطرة التنظيم، والسفارة العراقية تتابع وتتحرك مع الجهات الاميركية المعنية ، خصوصا بعد ان اتضح ان المتاجرة بالاثار هي احدى مصادر تمويل داعش .
متابعة
رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث الدكتور عباس علي الحسيني اشار الى مخاطبة ممثل العراق الدائم لدى منظمة اليونسكو ليقوم بالإجراءات اللازمة لوقف المزادات التي تتاجر بالاثار العراقية ، والتنسيق بين الهيئة العامة للآثار والتراث من جهة ومطار بغداد الدولي من جهة أخرى لفحص الآثار التي تضبط مع الأجانب قبل مغادرتهم العراق.
كما دعت وزارة الدولة للسياحة والاثار الجهات المعنية في مدينة ميونخ الالمانية بالتدخل من اجل ايقاف بيع اثار عراقية مسروقة في في احد مزاداتها .
ونقل بيان حكومي عن مستشار وزارة الدولة للسياحة والآثار بهاء المياح قوله «ان معلومات وردت إلى الوزارة تفيد بوجود قطعتين أثريتين مهمتين سرقتا من العراق في وقت سابق معروضتان في الوقت الحالي للبيع في مزاد علني بألمانيا»، موضحا أن القطعتين الأثريتين عبارة عن تمثال لرجل سومري من حجر الكلس يعود تاريخ نحته إلى سنة 2500 قبل الميلاد ويبلغ ارتفاعه 7.22 سنتيمترات فيما كانت القطعة الثانية مسمارا سومريا مصنوعا من الصلصال مع كتابة سومرية تعود إلى عهد الملك شولاجي من سلالة أور في الفترة (2097 - 2095) قبل الميلاد ويبلغ ارتفاعه 7.11 سنتيمترات».
وقال المستشار «طالبنا الجهات المختصة بتزويدنا بالمعلومات الوافية عن الأشخاص والجهات التي بحوزتها الآثار العراقية المسروقة ونطالب كل المعنيين في جميع أنحاء العالم باتخاذ الإجراءات السريعة والفاعلة لوقف هذا المزاد».
وقد كلفت الوزارة جميع البعثات الدبلوماسية العراقية بالتعاون في متابعة الاثار العراقية المسروقة في البلدان التي يعملون فيها .
مضيفا: ان وزارة الدولة للسياحة والآثار تسعى إلى إقامة مؤتمر عالمي برعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ‹يونسكو› لتسليط الضوء والتعامل مع مثل هذه الجرائم».
وزارة الخارجية
وزير الخارجية الدكتور ابراهيم الجعفري قال : إن «الدول تتفاوت في حجم الآثار العراقية المسروقة لديها، وقد فاتحناها فوجدنا تجاوبا ممتازا وكريما ، واضاف «أننا نتابع هذا الملف، والتواصل مستمر بيني وبين وزير السياحة لإرجاع الآثار العراقية المسروقة» مشيرا إلى وجود تنسيق بين وزارة الخارجية والانتربول الدولي لإعادة الآثار العراقية.
تبرعات برلمانية
عدد من النواب في البرلمان العراقي اجمعوا على اهمية استرداد الاثار المعارة الى المتاحف والجامعات العالمية لاهميتها التاريخية، داعين اللجان المختصة ووزارة الخارجية والسفارات الى العمل على احصاء تلك الاثار في قائمة واحدة، وارسالها الى المنظمات العالمية بهدف استردادها، لاسيما وانها تمثل تاريخ العراق.
وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، عباس البياتي، ان «هناك اثارا كثيرة تمت اعارتها الى متاحف وجامعات عالمية والبعض منها مازالت في تلك الدول ومنها اليابان».
مبينا ان استعادة تلك المقتنيات الاثرية المهمة تحتاج الى اموال طائلة، وهو ما يدعو وزارتي الثقافة والسياحة الى تخصيص جزء من موازنتيهما لاسترداد هذه الاثار، التي تمثل التاريخ الوطني للعراق».
واشار البياتي، الى ان الحكومة اليابانية سلمت العديد من هذه الاثار وابدت استعدادها الكامل للتعاون في اعادتها الى العراق،غير ان البلد مازال يعاني من مشكلة التمويل لاستعادة جميع الاثار بالكامل.
واضاف، ان بعض النواب جمعوا تبرعات مالية ساهمت في المساعدة على استعادة جزء من تلك الاثار، مشددا عل ضرورة ان تتعاون ثلاث جهات حكومية من اجل ارجاع هذه الاثار، «وزارات الخارجية والثقافة والسياحة» فضلا عن السفارات العراقية التي تمثل عين البلد في تلك الدول، وعليها ان تتعاون في جرد واحصاء الاثار الموجودة هناك.
ولفت البياتي، الى اهمية ان تسارع اللجان المهنية البرلمانية والوزارية في استعادة هذه الاثار لانها تمثل تاريخ العراق.
تطوير المتاحف
النائب عن دولة القانون حيدرالمولى اشار الى اهمية ان تتكاتف جميع الجهود من اجل ارجاع الاثار، سواء التي سرقت او التي اعيرت للجامعات والمتاحف العالمية.
مبينا ان : الاثار التي اعيرت الى دول العالم للدراسة والبحث او التي سرقت يجب ان تكون عليها رقابة شديدة لانها تمثل التاريخ الوطني للعراق».
وطالب النائب، جميع الوزارات المعنية واللجان المختصة بالاسراع في تحديد اماكن هذه الاثار، وتأشيرها لدى المنظمات العالمية والامم المتحدة، لانها تمثل الارث الوطني العراقي، لافتا الى اهمية السعي لتطوير المتاحف العراقية من اجل ابراز الدور التاريخي للعراق وتأثيره على الانسانية، مبينا ان عملية التطوير تلك بحاجة الى مزيد من الجهود لارجاع الاثار العراقية، حتى لو تطلب الامر رفع قضايا دولية ضد دول بعينها ترفض ان تعيد تاريخ العراق الى اصله.
فيما نوه النائب عن تحالف القوى العراقية، محمد الكربولي الى: اهمية هذه الاثار لتمثيلها التاريخ الانساني العالمي، ولدورها في عكس حضارة البلد العريقة.
وطالب اللجان المختصة بتفعيل الاتفاقيات المبرمة مع الدول التي اعيرت لها هذه الاثار من اجل استردادها عبر الطرق القانونية، ونشر صورها عبر وسائل التواصل والانترنت وارسالها الى المنظمات
العالمية.
مقالات اخرى للكاتب