كثيرون ممن كتبوا تاريخ الخلافة الاسلامية يخفون خشيتهم من التقرب للصورة الحقيقة التي تلت وفاة مؤسس الدين الاسلامي في اخر تحديث سماوي له، اي الحوار الاول بين جبريل ومحمد والذي استمر لثلاث وعشرين سنة، اقول ان الذين يؤرخون للخلافة يخشون سلك طريق اقرب للصورة والحوار الاقرب لشخصيات من الحجاز عاشت قبل الف ونيف بعد الاربعمئة عام.

كل الصور التي تصل هي صور مغلفة بهالات من قدسية، تلك حصة الخط الحكومي، وصور خيانية وهي من حصة المعارضين، واخيرة استشراقية تجمع بين التاريخ المصحح الموضوع من قبل اسرتين مدتا الخلافة بالملوك، وبين صور قدمها معارضو السلطة من العلويين وغير العلويين، مضافا لها ما يقدمه العقل الاوربي من استكشاف ليس صحيحا دائما عن حال انسان شبه الجزيرة العربية.

الامة الاسلامية بعمومها لم تتفق الى اليوم على يوم وفاة محدد لرجل كتب له التاريخ ان يقلب موازين مرحلته والمراحل اللاحقة، ليس فقط ضمن نطاق سيطرته الاول في المدينة ومكة، بل ايضا في عموم العالم الذي اصغى من قرون لزحف يرفع كتابه بأيد مستعرة تطلب غزو العالم.

لم يضم الحزب الاسلامي جناحا واحدا مهما حاول منقحو التاريخ ان يفعلوا، فليس ابو بكر شبيهاً بعمر، ولا عمر متأثراً بعثمان ولا علي ايضا قبل من سبقه وتقبل الاقتداء بهم.

شغل محمد على مادته البشرية لم يكن كل عمله، بل عمل مع حزبه كمرشد يمزج بين خلاصة نصوص القران وبين تهذيب و تطويع لسلخ ما يعتقده من شوائب كانت شكلت لبقائها مادة اساسية في شخصية و ممارسات كثير ممن دخلوا دينه. كثير ممن انتظم في حزب محمد فهم الامر على انه خلاص من قسوة مجتمع تجاري طبقي حدوده الروحية هي الالهة المجسدة التي تمثل بعضها شخوصا لها تاريخ مجيد، وبعضها الهة جلبتها تجارة جوالة بين شمال الجزيرة وجنوبها، وحدوده التعاملية هي بين طبقات ثلاث اسوة بكل المجتمعات البشرية التي رسمت تنظيمها الهرمي استنادا للسيادة والمال و الرق.

القران الذي شكل محور الازاحة لمضمون المجتمع كان بحد ذاته تحديا كابد محمد الكثير لاخراجه الى بيئة انطمرت على نفسها ورضيت باغلبها شكل الحياة التي تعيشها، وبمجرد الانتباه للسطور الاول من الطلب الايحائي له ان” اقرأ باسم ربك الذي خلق” تجد ان التوقيت للهجوم السماوي على عقيدة مكة التي تحولت لمقر يقوم على اساس ابراهيم النبي مضافا لها بناء عقائدي منوع الارباب متساوي التمثيل الصنمي، تجد الهجوم يستهدف اكثر من ثلاثمئة وستين صنما من طين ووثن من خشب.

كانت مهمة محمد صعبة عسيرة، فقيام رجل يجيء بعد المسيح بقرابة ستمئة عام و بلغة غير لغة عيسى وبواجب يقطع بعده اي علاقة مباشرة بين الارض و السماء باعتبار ان التكليف الرسالي ينتهي به، امور لا يمكن معها القبول بالصور التسامحية التي يصدرها توفيقيو التاريخ الاسلامي.

لم يعرف العرب زعيما واحدا طوال تاريخهم، وليس ضمن شخصية الفرد العربي هذا الهدف، لكن محمدا نجح في هذا الامر وتغلب بصورة النبي على كل منافس قد يقلد مبتغاه في تشكيل مجتمع جديد متجدد يقوم على اساس الزعامة لا الاساس الذي رسمه محمد.

حتى الذين قلدوه في الرسالة كتبوا ما اعتبروها هم ايات على شاكلة وسجع القران وتلك مفارقة تؤكد اعترافهم الضمني بان لأيات محمد وقعاً لا يمكن الخروج عنها.

توفي محمد وهو قلق على ان حزبه فيه كثر لم يفهموا فلسفة رسالته والتاريخ، بل لم يفهموا كيف تكون مشاهد الحياة الاعتيادية بعد ان” اكملت لكم دينكم و اتمتت عليكم نعمتي”.

لو بسطنا الامور و قربنا المشهد الى تصوير محمد كمدرس يعطي مواد تاريخية وعقائدية وروحية، لوجدنا ان معدلات طلبته تتفاوت في الامتحان والتطبيق العملي، فهنالك من نجح في دروسه العسكرية ورسب في العقائد، وبعضهم نجح في مادة السياسية و رسب في الروحيات.

ارجع الى قوائم خلفاء محمد ستجد ان اكثرهم ملوك وسلاطين، بعضهم عشق الغلمان و الجواري وماتوا كمدا على رحيلهم، بعضهم يحمل قسوة وبطشا غريبين، واكثرهم يوصي بالخلافة بعده لأبن او لاخ وهو عما قريب يلاقي بروحه الله ورسوله ويلاقي جسده التراب.

قلائل جدا هم من فهم درس محمد ومعنى الجلوس على منبره و الحكم بأسم دينه وبأسمه، واكثر الباقين هم حملة القاب عائلية تحاول بالقربى من نسب محمد ان تكون بديلا عنه مقبولا.

من اوجد مصطلح الخليفة كان ذكيا جدا، سابقا لاوانه في نحت اسم يجمع بين صفات تدل على المخلوف في الامر، وهي تسمية متقدمة في وقتها، ووجدت مكانا في الالقاب لا هي تدل على الملك ولا السطنة ولا التبع كما في اليمن القديمة.

لكن اللقب تحول الى ارث عائلي ولا سيما ابني العم”الالين” امية والعباس، بحيث يقاد انقلاب بطيء عام 41 للهجرة ليكون جيل الاباء المؤسسين للعداوة هم العائدون للسلطة فيما يخرج اصحاب الدار منها ثم ليستبدلوا لاحقا بابناء العم الحريصيين على دوام حكم ابناء العباس لعقود وفي تشعبات جغرافية واسرية كبيرة.

حديث الخلافة الذي اكتب مقدماته الان ارجو له ان كتب لي البقاء ان احوله الى كتاب يعيد قراءة الحدث الابرز الذي نعيش احفاد تداعياته من ذاك اليوم الذي لم تتفق فيه الامة الباكية على النبي على يوم واحد لرحيله الى يوم كهذا تعيد فيه الفرق الاسلامية تلقيم بنادقها لتهشم الاخر