انتقد تقرير اعدته مجلة اقتصادية بريطانية في شهر اب من العام الماضي هدر الغاز الطبيعي في العراق، اذ اكدت ان العراق يحرق سنويا كميةبقدر التي تستهلكها دولة بحجم النمسا ، فيما يشتري غازه الطبيعي من جمهورية ايران الاسلامية ، وفيما وصفت حجم انتاج الطاقة الكهربائية العراقي بـالخجول”، واشارت إلى ان الغاز المحروق يمكن ان يغطي احتياجات العراق من الطاقة، وبينت مجلة الايكونوميست البريطانية في تقرير نشرته في شهر/ آب 2014، ان كمية الغاز الطبيعي المهدور المحروق المصاحب للنفط الخام المنتج في آبار البصرة، تقدر سنويا بنحو 12 مليار متر مكعب بالسنة، وفي الوقت الذي تستمر فيه عملية حرق الغاز فان العراق يقوم باستيراد الغاز الطبيعي من الجارة إيران بأسعار أوروبية عالية ويشتري الكهرباء من البارجات التركية في الخليج”. وأشارت المجلة البريطانية في تقريرها إلى ان “الطاقة المنتجة حاليا والبالغة 13 كيكاواط ما تزال تمثل ربع الطاقة الكلية التي يحتاجها البلد، وهي قدرة تكاد تكون خجولة ازاء الطاقة الإنتاجية التي سيحتاجها العراق بحلول العام 2030 والبالغة 42 كيكاواط .
اطار عمل غير واضح
بما ان معدلات إنتاج النفط في العراق في تزايد فان كميات الغاز المصاحبة لهذا الإنتاج المتزايد ستتضاعف كثيرا ، شركة غاز البصرة تستعد من خلال مشروع مشترك مع شيل وميتسوبيشي وشركة غاز الجنوب الى جمع هذه الكميات من الغاز المصاحب للمساعدة في تغذية محطات الطاقة الكهربائية التي تحتاج لوقود الغاز، ولكن الصفقة أثارت إزعاج الكثير من المعنيين بقطاع الطاقة في العراق الذين يقولون بأنها تعطي الشركات الأجنبية امتيازات شبه احتكارية لثروة الغاز في البلد، وان برنامج تطوير صناعة الغاز في البلاد لم يسر بسهولة.
كما يتمنى البعض، والحكومة تريد ان تضع حداً لعملية حرق الغاز بحلول العام 2015.
ولكن الشركات الثلاث المتآلفة في المشروع تنتج الآن ما يقرب من 1.1 مليار قدم مكعب باليوم حيث تجمع شركة غاز البصرة 400 متر مكعب من الغاز المنتج، وتقول بان قدرتها الاستيعابية ستصل الى واحد مليار متر مكعب بحلول العام 2016 وعندها ستعمد الشركات المنافسة الى نصب منشآت تجميع الغاز ومد الأنابيب الخاصة بها.
المهندس النفطي في مجموعة شركات بووز كومباني العالمية الاميركية للاستشارات جورج صراف اشار الى افتقار العراق لإطار عمل واضح بخصوص الاستثمار وشروط العقود التي سساعد على نفور المستثمرين الكبار، مبينا أنه بدون الاعتماد على رؤوس أموال القطاع الخاص في مجال الطاقة الكهربائية فان وزارة الكهرباء ستضطر بحلول العام 2035الى إنفاق ما يقرب من 140 مليار دولار لتسديد احتياجات البلد من الطاقة الكهــربائية.
مشاريع استثمار الغاز
خبير الطاقة العراقي حمزة الجواهري اوضح ان الدراسات التي انجزت حول استغلال الغاز عديدة، لكن معظمها قد تقادم عليه الزمن بعد جولات التراخيص التي تهدف إلى الزيادة بإنتاج النفط ومن ثم الزيادة بإنتاج الغاز.
كما ان بعض هذه الدراسات قد اعد لتحقيق أهداف الشركات التي قامت بالدراسة وليس لصالح العراق، وبعضها لم تأخذ الجوانب الستراتيجية
للموضوع بالكامل، ولا الجوانب الاجتماعيةأوالجيوسراتيجية.
لذا فمن غير المعقول الاعتماد عليها، ومن هنا جاءت أهمية دراسة الموضوع على أسس علمية رصينة وجديدة تأخذ كل الجوانب التي يرغب العراق بتغطيتها، وهذا ما أوصت به الستراتيجية الوطنية للطاقة بوضــوح.
الغاز المحروق
واضاف الجواهري : كما هو معروف كثر الحديث بشأن الغاز المحروق وعن ضرورة استثماره، ولم يتحدث احد عن الموضوع سوى بعض الاقتصاديين وقليل من الفنيين.
ومع ذلك نعتبر هذه التدخلات أمرا جيدا وغاية بالأهمية، لكن ما زال ينقص تلك الدراسات أو التحليلات الكثير من الجوانب الفنية التي تتعلق بهدر ثروة مهمة، العراق وقع عقدا مع شركة شيل وميتسوبيشي لاستغلال بعض كميات الغاز التي تحرق حاليا في ثلاثة حقول بمحافظة البصرة، هذه الكميات تعد محدودة وستقلل من كميات الغاز المحروق، لكن المشاريع المزمع انشاؤها من قبل شركة غاز البصرة، التشكيل الذي يضم شركة غاز الجنوب وشيل وميتسوبيشي، سوف لا تكتمل قبل سنة2020، وستتم الاستفادة من قسم من الغاز في الوقت الحالي لتغطية الاحتياجات المنزلية وقسم آخر وهو يمثل المكونات الأثقل من الغاز فقط لأغراض إنتاج البنزين المحسن من حيث الأساس.
تساؤل
صحيح إننا يجب أن نستغل الغاز الذي يحرق الآن، وكميات الغاز المتزايدة بالانتاج بسبب زيادات انتاج النفط وكذلك تطوير ثلاثة حقول غازية، ولكن كيف يمكن استغلال الغاز بشكل أمثــل؟
إنتاج واستهلاك
يقول الجواهري : لدينا عدد من حقول النفط التي تنتج الغاز، يزيد عددها على ثلاثين حقلا.
بعضها مطور ومنتج حاليا والبعض الآخر مازال تحت التطوير، وكذلك حقول الغاز الحر بدأت فيها عمليات التطوير. كما ويوجد لدينا عشرات محطات الطاقة الكهربائية منتشرة على طول العراق وعرضه، كل هذه المحطات والمحطات التي سيتم بناؤها مستقبلا للوصول إلى إنتاج ما يقرب من40 ألف ميكاواط في العام 2035 ، مـا عدا المحطات الكهرومائية، يجب أن تعتمـد على الغاز كوقود بشكل تدريجي بحيث لا تبقى محطة كهربائية تعتمـد على الوقود السائل كونه غالي الثمن، سواء كان على شكل نفط خام أو نفط ثقيـل من مخلفات المصافي.
وهناك مصانع بتروكيمياوية مزمع بناؤها.
وقد تكون موزعة بين جميع أنحاء العراق، وفق الستراتيجية الوطنية للطاقة، ولدينا الاستهلاك المنزلي المتزايد يوما بعد آخر، وهناك من يدعو لاستعمال الغاز السائل كوقود للسيارات.
وهناك مصانع للحديد والصلب وهي في توسع، وأخرى للألمنيوم يجب أن تقام.
ومصانع لإنتاج الأسمدة الكيمياوية كل تلك الاحتياجات يجب أن تؤخذ بالحسبان وفق الستراتيجية الوطنية للطاقة مع التأكيد على التوسع بإنتاج الغاز والتوسع بالصناعــات التي تعتمد عليه.
نصيحة
لؤي الخطيب الرئيس التنفيذي لمعهد العراق للطاقة : اشار الى ضرورة عدم تسرع الحكومة في رهن الاقتصاد وتكبيله من خلال توقيع اتفاقيات ملزمة لتصدير الغاز بسبب أي فائض محلي (وقتي)دون جاهزية البنى التحتية والمشاريع الاستثمارية في الوقت المناسب، فعقود الغاز عادة ما تكون طويلة الامد ومُلزمة (أكثر من ٢٠ سنة) لارتباطها باتفاقيات جانبية معقدة قد تكون مع دول لها علاقة بالعراق، وهذا هو عين الفخ الذي وقعت به دول مثل جمهورية مصر ودولة الامارات وسلطنة عُمان. حيث أقنعتها بعض الشركات العالمية بتصدير الغاز الفائض من خلال استثمار مبالغ هائلة في مشاريع تصدير عملاقة دون النظر الى حاجتها الفعلية في المستقبل بسبب الزيادة السكانية والفرص الاستثمارية الواعدة التي قد تدر على شعوب تلك البلدان واردات المنتوجات وليس الوارد المحدود من تصدير الخام، مما دفع بهذه الدول الى تصدير غازها الطبيعي (رغماً عن انفها) وهي بأمس الحاجة له، لتصبح اليوم مستوردة للغاز الاجنبي بأكثر كلفة من غازها المُصَدَر في تعاقدات الامس، ثم تكون دول مصدرة للغاز المحلي في الوقت نفسه واضاف : ارجو ان تعتمد الحكومة العراقية ستراتيجية الطاقة الوطنية بواقعية ولكن مع بعض المراجعة الواعية لسيناريوهات تصدير الغاز، وان تبتعد عن التوجيهات الملحة من بعض الشركات العالمية، والاسراع بانشاء المؤسسات المستهلكة للغاز وتصنيع منتجاته ووضع الاطر القانونية اللازمة لإنشاء المؤسسات الاتحادية المستقلة وأولها مجلس النفط والغاز الاتحادي بعضوية الجهات التنظيمية الاتحادية والمحلية والذي بدوره سيضع السياسات الاتحادية والاشراف على تنفيذ خطط الطاقة الوطنية وضمان الحقوق ، حفاظاً على مستحقات العراق من جهة ومستحقات المستثمرين من جهة أخرى في الامد البعيد، ودون الاعتماد على السياسات العشوائية والارتجالية.
مشاريع الوزارة
وزارة النفط العراقیة كانت قد اعلنت ان شركة ( غاز البصرة ) ستبدأ بتغطية حاجة العراق بحلول نهاية العام 2016 بما في ذلك محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز إذ اشار : وكيل وزير النفط لشؤون التصفية فياض حسن إلى أن التقديرات الاولية لمشروع استثمار الغاز المصاحب لحقول البصرة ( الزبير والرميلة والقرنة ) الذي تعمل علیه الآن شركتا «شل» الفرنسیة و«میتسوبیشي» الیابانیة بالتعاون مع وزارة النفط التي تمثلھا شركة.
«غاز البصرة»، تشیر إلى أن كمیات كبیرة من الغاز المستخرجة من الحقول تكفي لسد حاجة العراق، فضلا عن التوقعات بتغطية حاجة العراق من الغاز الجاف المشغل لمحطات الكھرباء والذي يصل إلى نحو ألفي ملیون قدم مكعب و أوضح حسن : ان ما تجھزه وزارة النفط حالیاً لمحطات تولید الكھرباء العاملة بالغاز يصل إلى 500 ملیون قدم مكعب قیاسي لا يكفي لتشغیل ھذه المحطات، ما دفع الحكومة إلى استیراد الغاز من إيران من خلال تأسیس شبكة انابيب سيتم مدها نهاية هذا العام.
تخطيط مغلوط
الخبیر النفطي صالح البرزنجي انتقد آلیة تأسیس محطات الكھرباء العاملة بالغاز لـغیاب التنسیق بین وزارتي النفط والكھرباء حول ما يتوافر من غاز طبیعي لتشغیل المحطات وأكد ضرورة توفیر ھذا التنسیق تفادياً لحصول نقص في تولید الطاقة الكھربائیة. وبين البرزنجي أن مشروع المحطات نفذ قبل مشروع استثمار الغاز من وزارة النفط ما شكل فارقاً كبیراً في تأمین الطاقة بالاعتماد على تلك المحطات من دون الانتباه إلى وفرة الغاز واعتبر أن خطوة استثمار الغاز المصاحب في حقول البصرة جاءت متأخرة لكنھا على الطريق الصحیح وعلى وزارة النفط دراسة بقیة الحقول في الوسط والشمال والتي لا تقل أھمیة في استثمارھا للغاز الطبیعي من خلال الاتفاق مجدداً مع الشركات المستثمرة للحقول، أو طرح استغلال الغاز فیھا للاستثمار والتنافس بحسب العقود التي أبرمتھا الحكومة ولكن بصيغة جديدة .
لجنة الطاقة
لجنة النفط والطاقة في البرلمان ربطت تعطيل استثمار الغاز بالتأخیر في إقرار قانون النفط والغاز وعدم تشكیل المجلس الاتحادي للسیاسـات النفطیــة. اذ بين عضو اللجنة النائب قاسم محمد ان وزارة النفط ماضیة في استثمار الثروات الطبیعیة المتمثلة بالنفط والغاز بالشكل الصحیح من خلال خططھا الموضوعة لكنه لفت الى وجود معوقات عرقلت عملھا وحالت دون استغلال الثروة الغازية المصاحبة للنفط وجعلھا تحرق في الجو، من أبرزھا التشريعات القانونیة الخاصة بالنفط والغـاز التي لا تزال غیر مفعلـة.
فضلا عن عدم تشكیل المجلس الاتحادي للسیاسات النفطیة الذي يضع السیاسة النفطیة الواضحة، ويحدد طرق استثمار الثروات الطبیعیة لتعزيز الاقتصاد الوطني.
الصباح
مقالات اخرى للكاتب