العالم يسير نحو التخصص الادق و الكامل في ااختصاصات علمية كانت ام انسانية . كثرة او دقة المعلومات و توافرها بشكل كبير، و ما يُراد من التمعن و الحرص و التركيز على اجزاء دقيقة من الاختصاصات، ان بحثت هذه الاختصاصات بشكل فهو يتطلب وقتا و جهدا و امكانية لا يمكن توفرها الا بعد الجمع في البحث عن الاختصاصات الدقيقة الصغيرة مع بعضها و تحقيق تقدم مرحلي في المهام، و من ثم بالتعاون بين الاجزاء الاختصاصية الدقيقة فيمكن جمع المعلومة لكل جزء مع الاخر و تكاملها، فيُستنتج الناتج النهائي المطلوب، هذا هو المسار المطلوب في هذا العصر،اي عصر التخصص . اي الاختصاص في ادق اجزاء الموضوع و من ثم ترابطها و تركيبها جميعا لتتكامل و تصل مفيدة في نهاية المطاف، و لا يمكن التداخل بين التخصص و الاخر او التعميم في البحث و الدراسة مهما كانت متقاربة .
من اهم العوامل المساعدة على فرض الاختصاص في العمل و الدقة فيه و عدم التداخل مع البعض هو تطبيق المأسسة في النظام والعمل، اي؛ السير وفق ما تفرضه الماسسة في العمل دون التعميم او بعيدا عن المزاجيات، لكل عمله وفق اختصاصه و ما يحق له و حدوده و واجباته و حقوقه، دون الخلط بين الارشادات الخاصة لكل اختصاص مع الاخرى . و منه يمكن توزيع الادوار و الاعمال و تحديد المسار و الحدود لكل اختصاص . هذا هو االطريق الصحيح اي المأسسة و العمل الذي يُنتظر منه النجاح بنسبة كبيرة جدا كما يسير عليه الغرب منذ مدة طويلة .
اما في عالمنا نحن في الشرق الاوسط بشكل عام و العراق بشكل خاص، فحدث ولا حرج في هذه الناحية، فنرى ما لاتصدقه اعيننا على الرغم من معرفتنا مسبقا بالاسس التي نسير عليها . نحن اولا؛ بعيدون عن الماسسة و لم ندخل في عالم الاختصاص التام كما غيرنا . ثانيا؛ و ان كنا نحمل من الاختصاص مهنيا، الا اننا نتدخل و نعمل بما نشتهي و بمزاجية يوميا دون ان نلزم حدودنا. ثالثا؛ لم يقتصر تخبطنا على الناحية الانسانية فقط و انما حتى العلوم الطبيعية اصبحت تحت رحمة العموميات و الفضول البشري و وفق ما يؤمن به الملم سواء كان ضمن المؤسسات الرسمية او الشبه الرسمية .
ان تكلمنا بدقة و باختصاص كما نطلب من هذه الاسطر بيانه و نهدف الى توصيل رسالة علمية انسانية منه، فان العراق الان يغرق في بحر التداخلات و التخبط و الابتعاد عن التخصص حتى القليل النسبة التي كنا نتمتع بها من قبل . هل من المعقول ان يتكلم عالم مختص في الفلسفة و له مكانة خاصة و اعتبار في البلد سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي لكونه ابدع في اختصاصه، ان يتكلم عن الصراع الحزبي بل المذهبي و كانه معمم و درس في المدارس الدينية و الحجرات. اليس هذا ما يؤلم النفس و يحير الجميع، فماذا نقول الى الفرد البسيط و عدم درايته بماهية الاختصاص و اهميته .
بالامس شاهدت برنامجا تلفزيونيا و لقاءا و سمعت ما يشيب الراس من الحاضرين، و احضروا لكونهم علماء علم و فلاسفة و سؤلوا عن التاريخ الاسلامي فقط وجرجروهم لحد ما اوصلهم المقدم الى المذهب الاحق و مجريات التاريخ و تاثيره على الفكر و الايديولوجيا، و ما ادهشني هو اعلانهم بكل صراحة عن الدين او بالاحرى المذهب الحقيقي الواجب الاتباع و عن الطقوس و الشعائر و واجب التنفيذ و العمل وفق ما يعلنه المعمم جملة و تفصيلا . ترى هل يمكن ان من تعمق في العلم و في اختصاص معين دقيق و مهم و الذي تراه الناس في لقاء تلفزيوني و هو اختصاص علمي بحت قد تعمق في الاختصاص الاخرالديني البحت، اي العلمي يتكلم بالانسانية و الدين بل المذهب، لا بل دخل في اختصاص الدين الدقيق و الفقهي منه، فان كان له معلومات فقهية دينية لا حدود لها في البحث فكيف يتعمق في اختصاصه العلمي الطبيعي، و هل يمتلك كل ذلك الوقت في عمله و ما يدير به حياته . و في مكان اخر نرى كم من المختصين علميا و فلسفيا و هم اختصاصيون في شؤون حياة الناس الحياتية العلمية الطبيعية، و نجدهم تركوا ماهم اختصوا فيه و دخلوا عالم السياسة و ما تفرضه اليوم، و تدخلوا من خلالها و من اجلها في شؤون الدين و المذهب لما فيه المصلحة سياسيا و لمصالح خاصة فقط .
ما هي الاسباب، و كيف الحل . اننا نجد انعدام المؤسساتية في العراق بشكل كامل هو الدافع لتخبط الاختصاصات من جهة، و توفير و تامين المصالح الخاصة من طريق السياسة و الايديولوجيا و الدين اكبر و اسرع من العلم والمعرفة من جهة ثانية، هذا مادفع بالجميع الى التزام طريق السياسة والايديولوجيا و الدين و المذهب في مسيرة حياتهم العملية تاركين مهامهم، اضافة الى انعدام المشجعات للغور في الاختصاص البعيد عن السياسة، والادهى ان الطريق القصير للوصول الى المبتغى و تحقيق الاهداف الخاصة اقتصرت في السياسة و الدين فقط و بالسرعة الكبيرة، مما شجع حتى اكبر و اهم العلماء المختصين بالشؤون العلمية الطبيعية يندفعون الى السياسة و عينهم على الدين و ملذاته .
اما العلاج المطلوب، فلا يمكن التوصل اليه بين ليلة و ضحاها في هذا الظرف المعلوم لدينا، و لكن الخطوات الاولية ممكنة ان التفتت السلطة اليها رغم التعقيدات سواء كانت نابعة من السلطة ذاتها و هي من نتاج انبثاق الاسلام السياسي من جهة و من عملها و انشغالها اليوم فيما فرضه الارهاب من الضرر في هذا الشان ايضا. اي ماسسة الدولة و تحديد الاختصاصات و فرضها و الابتعاد عن طرح الملذات السياسية و الدينية من قبل الاسلام السياسي امام المختصين في الشؤون العلمية من اجل اهداف سياسية و اصدار قانون حامل لبنود حازمة في هذا الامر، و يمكن فرض امور تمنع تخطيهم لاختصاصهم العلمي لغرض الالتزام به كخطوات اساسية،على الرغم من اهمية توفير الحرية لنجاح عمل العالم، اضافة الى طرح و تقديم المشجعات المادية و المعنوية للاختصاصات الملتزمين باختصاصهم الخاصة ، و ما يحز النفس ان نسبة كبيرة لا باس بها من العلماء الحقيقيين الذين لم يهتموا بامور خاصة بحياتهم بل ضحوا بحياتهم و لم يلتفتوا الى الملذات و هم ابتعدوا عما يشجعهم في الغوص في غير اختصاصهم، بينما نراهم هم اُهملوا و لم يهتم بهم احد و ملٌوا من ما وقعوا فيه و لازالوا ينتظرون التشجيع و الدعم لاندفاعهم في العمل الخاص بهم، اي التقدم في اختصاصهم وفق ماسسة البلد و ليس تشجيعات شخصية مزاجية .
مقالات اخرى للكاتب