العملية السياسية في العراق امتازت ببعض الصفات ، اغلبها لم تكن بحاجة الى عقول راجحة لرؤيتها ، كونها تعكس الفاقد السلطوي عند البعض ، لما تعانيه هذه النخب من عدم الثقة بالنفس ، والتخوف الكبير من الاخر ، اضافة الى إشباع رغبة السلطة عند المتعطشين ، والذي يظهر من خلال سلوك ومواقف بعض المتصدين
التشخيص الواقعي والصحيح يجب ان يبتعد عن التعميمات ، وكذلك ان يسمي الأشياء بمسمياتها ، فالتعميم يخفي تناقضات صارخة ، ومفارقات عجيبة ، وكذلك يساوي بين الگرعة وأم شعر ( كما في المثل الشعبي ) ، فمن كان له حصة الأسد في الحكومات التي تلت التغيير ، ليس كمثل من ابتعد لسنين ولم يشارك ، او كانت مشاركته شكلية بوزارة واحدة او منصب تنفيذي
وفق هذه الرؤية يجب ان نسلط الاضواء على الحزب الحاكم ، او الصفة التي لطالما تشبث بها حزب رئيس الوزراء ، اذ تعكس تصرفاته خللاً بنيوياً في ادارة الدولة العراقية ، كونه قد سيطر واستولى وإدار البلاد منفرداً ، ولم يسمح بأدنى مشاركة لحلفائه في التحالف الوطني على الأقل ، فقد سوق نفسه على انه ممثل الشيعة الوحيد ، من خلال سيطرته على جميع المناصب التي كان من المفترض ان تكون للتحالف الوطني ، سواء كان ذلك استحقاقاً او استيلاءاً ، فمن (٧١٢ ) وكيلاً كانت ما يقارب ٩٠ ٪ منها من حصة حزب الدعوة ، حسب الإحصائيات ، وكذلك من ( ٣٠ ) هيئة مستقلة لحزب الدعوة ( ٢٣ ) منها ، اضافة الى الإعداد الكبيرة من المدراء العامين الذي كانت نسبتهم لا تقل عن ذلك ، وان لم ننسى فان حصتهم من ( ٣٤ ) مفتش عام كانت لدولة القانون ( ٢٩ ) منها !
المناصب التي تدار بالوكالة ، أضحت عرفاً في الواقع السياسي العراقي ، وهو ما يعد سداً منيعاً امام اي محاولة اصلاحية حقيقية ، فالوكيل سيكون دائماً تحت رحمة من وكله ، ورهن إشارة وتصرف ولي نعمته ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر الوزارات التي استقال وزرائها مؤخراً بعد المطالبات الشعبية بالإصلاح والتغيير ، لم يتم تعيين اي وزير جديد ، وانما اكتفى الحزب الحاكم بأدارتها بالوكالة ، سواء وزارة النفط او التعليم او الداخلية وغيرها ، وما يجري داخل هذه الوزارات من إقصاء لكل الأشخاص الذين يشتبه بقربهم من الوزير السابق ، كما يحصل الان في وزارة الداخلية ، وأقل ما يقال عن هذه السياسات انها بعثية بأمتياز ، وتتنافى من النظام الديمقراطي الفتي
حزب الدعوة لا هو حزب اسلامي فيلتزم برؤى المرجعية الدينية وتوجيهاتها ، كونه حسب أدبياته ، يقدم قرار حزبه على فتوى المرجع حسب نظرية ملئ الفراغ التي يعملون وفقها ، والتي تسببت بحذف المجلس الفقهي منذ عام ١٩٨٢ ، ولا هم حزب علماني ينتهج الميكافيلية ، بشكل علني ومعترف به ، فهو يخاطب الجماهير بأسلاميته ، ويتعامل بميكافيلية مع شركائه ، فلا وعد مقدس ، ولا اتفاق مطبق ، والدولة وما تحت سمائها تدار من قبلهم اما أصالةً او وكالةً ، فهل بقي من يعتقد بأمكان تحقيق مكسب بتحالفه معهم او شراكتهم ؟ ، ام هل بقى امل لدى شعب يمنح أصواته لهكذا أشخاص ويحلم ببناء دولة او تقديم خدمة ؟ .
مقالات اخرى للكاتب