الارجح أن لكلمة "ثائر" معاني بغيضة كما هو شائع في النظرة السائدة , يبدو الثوري هائجاً , غير خلوق, كثير الصخب, وجودي السلوك, مغرماً بالخطابة , متآمراً ضد الحكومة ومستعداً للعنف الا انه يخشاه. وتنشأ الصور الاكثر ايجابية للثائر في عقول اخرى على أنه شخص قوي في المبدأ والنزعة, لم تفسده الاكاذيب, متحمس, عطوف , يحمل روح المحارب مع لمسة الاستعداد للتضحية.
وباستعراض الثورة التي قادها الحسين (ع) نلاحظ أنها لاقت جفاءاً في بادئ الامر وشيء من الخذلان لكن هذا النكران لم يهن من عزيمة رجل ثوري صاحب كلمة وقرار ومن المؤكد انه على دراية بنتائج ثورته, وربما قد تكون المفارقة غريبة لو قورن ببقية الثوار , كما هو واضح لكل ثوري عندما يقود ثورة يكون أمام خيارين عليه ان يتوقع احدها وهو مسؤول عن جميع قراراته إما أن تنجح ثورته فينتصر أو تفشل فيموت , إذ يستحيل الجمع بين الانتصار والشهادة, اما الذي حدث مع الامام الحسين (ع) بحسب ما تعيشه ثورته من اجواء وظروف استثنائية مهدت له الفرصة لان يفوز بكلا الخيارين النصر والشهادة.
كثورة ناجحة لا بد لها من اتباع ومقلدين ومن يتأثرون بها او ينهجون نهجها والا ستلاقي انحساراً وعندها ستكون حاجة ملحة الى ثورة اخرى لاستذكار الثورة السابقة وتثبيت اقدامها على الوسط , ومن الناحية الاخرى واضح أن الرجال الذين يعدون الثوريين أشخاص مميزين وأبطالاً وشهداء يضيفون كذلك الى نظامهم الاجتماعي ويعززون موقفهم في الخلاف ورفض كل ما يخدش انسانيتهم وكرامتهم كأحرار وهذا ما دعا اليه الامام الحسين (ع) .
وعلى هذا الاساس نتناول مجموعة من الاسماء كما ترد الى الذهن ممن حاولو ان يحدثوا تغيير فاعل في واقعهم كثوار وهم :جورج دانتون, نابليون بونابرت , سام آدمز , تشي جيفارا , المهامتا غاندي , لينين وغيرهم.
حقيقة لا يكاد يمكن فهم الرجال من هذا النوع وما يدور في اذهانهم من افكار لأي مبدأ يرمون واي هدف يقصدون؟, هل اغراضهم دنيئة كالشهرة و الطمع بالسلطة ام اغراضهم سامية لنصرة الانسان الضعيف الكادح؟
كلهم ثوريون وكلهم عارضوا السلطة القائمة باللجوء الى اسلوب القوة او اساليب اخرى , وتضم القائمة نبلاء ووجهاء وتجاراً وصحفيين وزعماء سياسيين , كما تضم اثرياء للغاية وفقراء للغاية, وكثيرون يبدون رجالاً طيبيين حسب المعايير السائدة ما قبل الثورة وعدة اشخاص ربما كانو اشرارا حسب تلك المعايير وبعض ممن كانوا شخصيات مهمة في ايام ما قبل الثورة والبعض الاخر من المجهولين الفاشلين في الحياة حتى منحتهم الثورة فرصة الصعود, ومما لا شك فيه ان ايجاد صفة مشتركة لقائمة كهذه ليست مهمة سهلة , لكن من المؤكد ان الرجل التام الرضا لا يمكن ان يكون ثوريا, ان من يشارك في ثورة ما قبل اثبات نجاحها هو شخص ساخط او على الاقل شخص داهية الى حد كافٍ بحيث يقدر وجود ما يكفي من الساخطين لكي يندمج في مجموعة تستطيع احداث ثورة.
من ناحية اخرى ترفع الثورة احياناً رجالاتها الى القمة, وفي احيان اخرى يحدث العكس يرفع الرجال ثوراتهم الى القمة بطريقة تعكس جديتهم وشجاعتهم الكافية وثباتهم على المبدأ الواحد والكلمة الواحدة . لا ريب إن دوافع الحسين (ع) كانت تؤمن بالديمقراطية المطلقة والغاء الرق البشري أو بالاحرى عبودية التفكير ان صح التعبير , فلم يكن رجلاً مثيرا للجدل فحسب بل كان ما يدعوه العالم عموماً مثالياً من النوع الذي يظهر في مواقف الرجل المناسب في الوقت المناسب. ولا يبدو من الحكمة اجمالاً ابراز نوع واحد بوصفه الثوري الكامل, المثاليون في زماننا طبعاً هم ذوي المباديء التي ترسخ مجتمعاً مستقراً ومن المناسب لنا جميعا وجوب وجود رجال ذوي طموحات نبيلة وضعوا خلفهم نفايات هذا العالم من اجل العالم النقي, من اجل الفكرة والمثال من اجل الانسانية جمعاء.
لذا من الواجب علينا ان نرد الاعتبار ونعكس تعاطفنا مع ثورة الحسين (ع) عن طريق مدرسة كربلاء ونمتلك الشجاعية الكافية لاستخدام عقولنا لعلنا ندرك ان ثورة الحسين (ع) لم تكن من أجل لبس السواد والطبخ واللطم والنوح والبكاء والشكليات المظهرية بقدر ما كانت ثورة اغراضها سامية حيث الارادة , الشجاعة , التضحية , المباديء النبيلة ,الانسانية , نصرة الضعيف و الثبات على مبدأ واحد وكلمة واحدة بالوسائل التي كان يدعوا اليها الحسين (ع) وثار من اجلها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.