يقول الشيخ المحقق عباس القمي"طاب ثراه":((مضى أبو محمد الحسن بن عليّ"عليهما السلام"وهو ابن سبع واربعين سنة،وكان بينه وبين اخيه الحسين مدة الحمل،وكان حمل أبي عبدالله ستة أشهر،فاقام أبو محمد مع جده رسول الله"صلى الله عليه وآله"سبع سنين،واقام مع أبيه بعد وفاة جده ثلاثين سنة،واقام بعد وفاة أمير المؤمنين" عليه السلام"عشر سنين)).
يروي الشيخ القمي عن القطب الراوندي"ره"عن الصادق عليه السلام، أنّ الحسن عليه السلام،قال لأهل بيته: ((إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول الله"صلى الله عليه وآله"،قالوا:ومن يفعل ذلك؟ قال:أمرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس،فإنّ معاوية يدسّ إليها ويأمرها بذلك،قالوا:أخرجها من منزلك وباعدها من نفسك،قال: كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئاً؟ ولو أخرجتها ما قتلني غيرها،وكان لها عذر عند الناس.
فما ذهبت الأيام حتى بعث معاوية مالاً جسيماً،وجعل يمنّيها بأن يعطيها مئة الف درهم أيضاً،ويزوجها من يزيد، وحمل إليها شربة من سمّ لتسقيها الحسن عليه السلام.
وذات يوم انصرف الحسن عليه السلام، الى منزله وهو صائم، وكان يوماً حارّاً، فأخرجت وقت الأفطار شربة لبن وقد ألقت فيها ذلك السمّ،فشربها فلمّا أحس السم استرجع وحمد الله تعالى على التحول من هذه الدنيا الفانية الى الجنان الباقية،للقاء جده وأبيه وأمه وعمّيه حمزة وجعفر،ثم التفت الى جعدة وقال لها:أي عدوّة الله! قتلتيني قتلك الله،والله لا تصيبين مني خلفاً ولقد غرّك وسخر منك،والله يخزيك ويخزيه.
فمكث عليه السلام،يومين ثم مضى، أما معاوية فغدر باللعينة،ولم يف لها بما وعد،وفي رواية أنّه أدى إليها ما وعدها به من مال،ولكنه لم يزوجها من يزيد، وقال:من لم تف مع الحسن فلا وفاء لها مع يزيد)).
لمّا أراد الامام الحسين عليه السلام، ومن معه من اصحابه،دفن الامام الحسن عند جده رسول الله"صلى الله عليه وآله"،تتحدث بعض الروايات:ان مروان ركب بغلته وأتى عائشة، فقال لها:يا أم المؤمنين، ان الحسين أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله"صلى الله عليه وآله"،والله ان دفن معه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر الى يوم القيامة،قالت: فما اصنع يا مروان؟ قال:الحقي به وأمنعيه من ان يدفن معه،قالت وكيف ألحقه؟ قال:اركبي بغلتي هذه،فنزل عن بغلته وركبتها، وكانت تؤزّ الناس وبني أمية على الحسين عليه السلام، وتحرّضهم على منعه مما همّ به.
قال ابن عباس: بينا نحن في ذلك إذ سمعت اللغط وخفت أن يعجل الحسين على من قد أقبل،ورأيت شخصاً علمت الشرّ فيه،فأقبلت مبادراً فإذا أنا بعائشة في أربعين راكباً على بغل مرحّل،تقدمهم وتأمرهم بالقتال.
فلمّا رأتني قالت:إليّ إليّ يا بن عباس، لقد أجترأتم عليّ في الدنيا، تؤذنني مرة بعد أخرى،تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبّ،فقلت:واسوءتاه! يوم على بغل،ويوم على جمل،تريدي ان تطفئي نور الله،وتقاتلي أولياء الله،وتحولي بين رسول الله وبين حبيبه أن يدفن معه!
فرمت بنفسها عن البغلة،وقالت:والله لا يدفن الحسن ههنا أو تجزّ هذه، وأومأت بيدها الى شعرها.
وبرواية اخرى أنهم رموا بالنبال جنازته حتى سل منها سبعون نبلاً، فأراد بنو هاشم المجادلة، فقال الحسين عليه السلام:الله الله لا تضيعوا وصيّة أخي، ولا تهرقوا دماً،والله لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء،وأن لا أهريق في أمره محجمة دم،لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها.
ومضوا بالحسن عليه السلام، فدفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد رضي الله عنها.
مقالات اخرى للكاتب