هي الهوس الإنفعالي المنحرف بتأريخ متصوّر وفقا لما يُراد له أن يُرى , وهي أشبة بالوهم الإدراكي الذي يعيق التبصر , ويمنع الفهم والمعرفة ويرفض التجدد والرؤية العقلانية العلمية , التي تصنع منطقا وفهما مقبولا ومتفقا مع معطيات عصره.
وهذه العاهة تتسبب بتداعيات سلوكية خطيرة تدمر البنية الإجتماعية في أي مجتمع , وتأخذه إلى مسارات ماحقة لذاته وموضوعه.
وتتحقق وتدوم وتتعضل بالتكرار المرير للإنحرافات التصورية , المشحونة بطاقات إنفعالية ذات مردودات سلبية على الحاضر والمستقبل.
وهي عاهة مستوطنة ومستفحلة في بلاد العرب أوطاني , أدّت إلى ما هو قائم في حياتهم اليوم من المرارات والنكبات والويلات المتصاخبة , والمحكومة بطاعون التأريخيويه.
فما أن تجتمع مع إخوانك وأصدقائك من بقاع البلاد العربية حتى تشم رائحة التصورات التأريخية , فتستمع لرؤاهم المعتقة بأقبية الغابرات الظلماء , ويشتد ما بينهم النقاش على موضوعات أكل عليها الدهر وشرب ألف مرة ومرة , وعندما تريد أن تأخذهم إلى عوالم أخرى معاصرة تستشعر قوة إنغماسهم بما مضى وما إنقضى , وتمترسهم بترس التصورات التأريخية المطعمة بخمور الإنفعالات والعواطف الحامية جدا.
وكأن المجتمع العربي يعيش في عالم آخر , ومنقطع عمّا حوله وفيه , ولا يريد أن يرى إلا ما كان وكيف يجب أن يكون عندما كان , فالمتحدث يجب أن يُقرّ بأن ما حدث كان عليه أن يحصل كما تمليه التصورات التاريخية المحشوة فيه , وعندما تتساءل عن كينونة الحاضر والمستقبل , يكون السؤال مرفوضا وكأنك تتعدى وتُهين الحاضرين.
وتكشف وسائل التواصل الإجتماعي هذه العاهة بأعراضها وعلاماتها ومضاعفاتها ودرجات إزمانها , وآليات الإدمان عليها , حتى لتشعر بالقرف والتقيؤ مما يتم تداوله من ضلالات وهذيانات وإنحرافات , وعاهات مولود من رحم العاهة الكبرة.
ويغيب الشعور بالعيب والخجل من تناول موضوعات ضارة لا تنفع أحدا , وإنما تتسبب بأوبئة سلوكية ذات مخاطر جسيمة وخسائر كبيرة وتفاعلات وخيمة , تجمعها الشراسة والعدوانية والأساليب العنيفة المُهلكة.
فهل من قدرة على الشفاء من عاهة التأريخوية , والتفاعل مع مفردات العصر, والنظر بقلب سليم وعين عقل عليم؟!
مقالات اخرى للكاتب