يشهد ربيع ٢٠١٤ انتخابات رئاسية ذات مشكلة وتعقيدات في العالم العربي في كل من سورية ومصر ولبنان والجزائر. طالما الحرب دائرة في سورية وبشار الأسد في سدة الرئاسة لا يمكن عملياً إجراء انتخاب رئاسي حقيقي ينبثق عن حكومة انتقالية يكون لها كامل الصلاحيات حسب نص بيان «جنيف ١» كما لا يمكن أن يستمر الإجراء التقليدي لنظام الأسد الذي يجدد لنفسه بـ ٩٩ في المئة من أصوات الشعب. فإذا انعقد فعلاً مؤتمر «جنيف ٢» وتبين أن صفقة مشبوهة تمت بين روسيا والولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسية في سورية قد تجري انتخابات رئاسية فيها بالمفهوم الروسي على النهج الذي اتبعه الرئيس بوتين لانتخاباته، عندما سلم الحكم لرئيس حكومته ميدفيديف في عملية انتخابية مضحكة ومبكية حول الديموقراطية في روسيا إذ أخرجته من الرئاسة ثم أعادته إليها بموافقة الجميع في العالم، فليس مستبعداً أن يكون الرئيس أوباما وهو غير معني بالوضع الداخلي في سورية أن يسلم بمثل هذا النموذج المريع لمستقبل سورية والمنطقة طالما أن مثل هذا الحل يناسب إسرائيل، خصوصاً إذا تخلصت سورية من الترسانة الكيماوية. فأصدقاء أوباما في المنطقة عليهم أن يستعدوا للمزيد من خيبة الأمل من سياسته في المنطقة. وعلى المعارضة السورية أن تعزز قوتها على الأرض لأن لا حل سياسياً إلا على حسابها مع مثل هذه الإدارة الأميركية التي تطلب يوماً من الأسد أن يرحل ثم تعود وتثني على تدميره الترسانة الكيماوية بسرعة قياسية كما قتل بها بسرعة قياسية.
أما الانتخاب الآخر والمهم، فهو في مصر، حيث الأنظار كلها تتجه نحو وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، الذي يقول البعض إنه سيترشح، والبعض الآخر يتردد قائلاً إن ليس من مصلحته حالياً أن يترشح، وبالعكس، فهو في موقع القوة، ومن الأفضل أن يبقي المؤسسة العسكرية حامية للأحزاب الديموقراطية في مصر، لأن الوضع الاقتصادي الصعب فيه مخاطر كبرى على أوضاع البلد الاجتماعية والسياسية.
أما انتخاب رئيس جديد للبنان، فسيكون أيضاً معضلة، كما هو تشكيل الحكومة حالياً، فالبلد منقسم بين «حزب الله» وحلفائه المحليين والإقليميين إيران وسورية وبين القوى التي تريد بلداً مستقلاًّ سيادياً غير مرتبط بالقتال في سورية ولا برغبات إيران، فالرئيس سليمان لا يريد التجديد وتعديل الدستور، كما أنه غير مرغوب فيه من «حزب الله» وحلفائه الذين يعتقدون أن بإمكانهم بحكومة تصريف الأعمال انتخاب رئيس جديد يكون من مؤيديهم، فانتخاب الرئيس ميشال سليمان تم بعد اتفاق الدوحة الذي أسقطه النظام السوري، فأي بلد عربي الآن سيهتم بالرئاسة في لبنان، والأنظار كلها على ما يجري في مصر وسورية؟ وهذا خطأ، لان إيران ونظام الأسد (رغم ضعفه) حليفان لـ «حزب الله» ومهتمان جداً بإبقاء تأثيرهما في كل ما يجري في لبنان. فلا شك في أن الموعد الانتخابي الرئاسي في لبنان مشكلة إضافية للفراغ والاهتراء السياسي الحاصل فيه.
وفي الجزائر، بدأت تتحدث الصحف عن إمكان دفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى إجراء تعديل للدستور لتجديد رئاسته ولاية أخرى، فهذا الخبر هو مجرد إشاعة، لكن الإشاعات في الجزائر كثيراً ما تكون بالونات تجربة لتيار معين من القيادة العسكرية في البلد، فالضباب كثيف على ما يجري في هذه المؤسسة، فكيف يجدَّد لولاية جديدة لرئيس ما زال يتعافى من جلطة أثرت على حركته وأيضاً على قدرته على الكلام؟ فهو ترأس مجلس الوزراء وكتبت كلماته خطياً من دون أن يسمع الشعب صوته، فكيف يمكن التجديد له بهذه الحالة وفي الجزائر عدد كبير من الشخصيات الكفوءة التي يمكن ان تترشح للرئاسة. فالجزائر بلد غني بنفطه وغازه واحتياطه المالي الضخم، ورغم ذلك بقي يعاني الفقر والتأخر على جميع الأصعدة، وهذا بسبب فساد كبير، فبدأ السباق الرئاسي منذ الآن مع إعلان الوزير الجزائري السابق احمد بنبيطور عن ترشحه وأخبار عن احتمال ترشح رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، ففي النهاية تتفق القيادة العسكرية المتمثلة بخمسة او ستة جنرالات لاختيار شخص من بين هؤلاء بالإمكان الاتفاق معه وهكذا يصبح رئيساً للجزائر. فتراجع صحة بوتفليقة لم تمنع أوساطه والذين في القيادة العسكرية على خلاف مع رئيس المخابرات العسكرية الجنرال توفيق مزيان المعروف بنفوذ مهيمن من التلميح باحتمال إجراء تعديل دستوري للتجديد لرئيس لا يمكنه بفعل تراجع صحته القيام بمهامه. إلا أن مثل هذه الأخبار تعكس خلافات ضمن المؤسسة العسكرية لكنها تنتهي بالاتفاق على رئيس يناسبها لانه في غياب الاتفاق تدرك المؤسسة العسكرية الجزائرية انه في زمن الثورات والتغييرات العربية المجاورة من الأفضل أن تبقى متضامنة وألاّ تظهر انقسامات تهدد مصيرها.
إذن، رئاسيات العالم العربي في ٢٠١٤ تأتي في خضم ثوراته واهتراء الأوضاع السياسية والاجتماعية فيه، إذ إن العنصر المشترك لهذه الدول أوضاع اجتماعية وسياسية متدهورة، وكل من له القدرات من بين شعوبها ليغادر البلد مستعد للهجرة.
مقالات اخرى للكاتب