مشكلة جديدة أخذت تتفاقم وتنتشر في عموم البيوت العراقية ، وهي اسطوانات الغاز السائل الإيرانية والتركية المنشأ والمخصصة للاستعمالات المنزلية ، ومشكلة هذه الاسطوانات إنها مغشوشة ويحظر التعامل معها لاستبدالها أو إعادة تعبئتها من قبل ساحات بيع الغاز ومعامل التعبئة الحكومية والأهلية وبائعي الغاز من أصحاب المركبات بأنواعها ، وهي لا تختلف من حيث الحجم والشكل واللون عن اسطوانات الغاز التي تتعامل بها الجهات المعنية في وزارة النفط ، ولا يمكن لكل مواطن تمييزها عن الاسطوانات الأخرى ولهذا فان هناك الكثير من العوائل التي تورطت بها عندما اكتشفت إنها غير قابلة للاستبدال إلا عند نفاذها والتوجه لاستبدالها ، وهذه الاسطوانات يتم ترويجها من قبل البائعين المتجولين للغاز والذين تلجأ أغلب العوائل للتعامل معهم باعتبارهم يصلون إلى مختلف المناطق السكنية وغيرها والتي لا تغطيها الخدمات التوزيعية الحكومية ، والمشكلة إن هؤلاء البائعون يبيعون الغاز بهذه الاسطوانات ولكنهم يرفضون إستلامها واغلبهم غير مجازين رسميا ويصعب تمييزهم ، لأنهم يقومون بتبادل المواقع والمناطق التي يعملون بها ولديهم قدرات فائقة على والاختفاء وإنكار التعامل بها ، مما يشير إلى وجود مافيات منظمة في توزيع وبيع الغاز من قبل بائعين يظهرون للعيان على إنهم من بسطاء الناس ولكنهم في حقيقتهم مخادعون لترويج الاسطوانات المغشوشة .
وتقول الجهات المختصة بوزارة النفط إنها لا تتعامل مع هذا النوع من اسطوانات الغاز لأنها لا تطابق معايير الجودة المطلوبة ، وقد سبق لها أن وجهت العديد من الرسائل التي تدعوا لعدم التعامل مع هذه الاسطوانات لما تشكله من خطر على المواطنين ، إذ لا تتوفر بها ابسط شروط الأمان لأنها قابلة للانفجار لذلك فهي لا تقوم بإعادة تعبئتها كونها لا تتحمل معدلات الضغط للوصول إلى الأوزان القياسية ، كما إن هذه الجهات تنفي أية علاقة لها باستيرادها وإدخالها للعراق حيث سبق وان أصدرت تعليمات وأكدت عليها في مناسبات متعددة بعدم جواز التعامل بها وتواجدها أو تداولها في محطات بيع الغاز ومعامل التعبئة الحكومية والأهلية ، وإزاء هذا التشدد فمن حق الجميع أن يتساءلوا عن الجهة التي قامت باستيراد هذه الاسطوانات وكيفية تهريبها أو تمريرها من المنافذ الحدودية وعدم إخضاعها لإجراءات الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة ، آخذين بنظر الاعتبار إن أعدادها كبيرة جدا ويبلغ بعشرات الآلاف لدرجة إن العديد من العوائل قد تورطت بها ولا تجد وسيلة للتخلص منها ، علما إن حجم ووزن اسطوانة الغاز ليس صغيرا كحبوب الهلوسة كما هو معروف للجميع ، مما يعني إن إدخال هذا العدد الكبير الذي يشكل حجوما ضخمة لا يمكن أن يتم إلا بتورط حيتان كبيرة ضالعة في مجال التهريب ، وهذا النوع من الاسطوانات لم يسبق وجودها في العراق قبل 2003 إذ ظهرت بعد فوضى الاستيراد .
وإذا كانت أجهزة وزارة النفط قد حصنت نفسها من التعامل مع هذا النوع من اسطوانات الغاز ، فان المطلوب منها ضبط عمليات توزيع وبيع الغاز السائل للاستخدامات المنزلية وغيرها لأنه ليس باستطاعة كل مواطن شراء الغاز من الساحات المجازة رسميا لان المسافة بين محل السكن وأماكن البيع قد تتطلب تكاليف نقل عالية وبذل مجهودات كبيرة واستغراق وقت طويل في الانتقال والانتظار ، وهو ما يتطلب تنظيم عمليات التوزيع من خلال منح إجازات رسمية للبائعين المتجولين وإخضاعهم للرقابة والضمان من حيث الالتزام بالرقعة الجغرافية والأسعار واخذ تعهدات بعدم التعامل مع الاسطوانات المحظورة وغير الصالحة للاستعمال والتي تشكل خطرا على مستخدمي الاسطوانات ، كما إن وزارة النفط أما أن تقوم باستيراد وبيع اسطوانات الغاز أو تسمح بمنح إجازات الاستيراد للمستوردين أو إجازات للتصنيع المحلي بموجب المواصفات ، فقد كانت الوزارة تقوم بهذه المهمة وتقوم ببيع الاسطوانات للمتزوجين الجدد بواقع اسطوانتين للعائلة الجديدة وقد توقفت هذه العملية منذ سنوات مما أنشا نقصا في الأسواق ، مما سمح لضعاف النفوس باستغلال هذا الفراغ للاستيراد من مناشيء غير رصينة أو احتكار البيع وانتشار ظاهرة سرقة اسطوانات الغاز بعد ارتفاع أسعارها في الأسواق ، ولغرض التخلص من الاسطوانات المزيفة والتي قد تسبب إضرارا للناس فلا بد من وضع حوافز لاستبدالها لقاء مبالغ تشجيعية .
ونحمد الله حمدا كثيرا ، لأنه حمى الكثير من البيوت العراقية من الحوادث التي يمكن أن يحدثها استخدام هذه الاسطوانات ، فالجهات المعنية تقول إنها تسبب الانفجار كالمفخخات وقد حصلت حوادث جراء استخدامها بالفعل ، ويشير واقع الحال إلى إن البائعين المتجولين قد ابتكروا طرقا لاستمرار التعامل بها بنقل الغاز إليها خارج الضوابط عن طريق تعبئتها برؤوس محورة ، وهي طريقة تنطوي على غش لأنها تتضمن إضافة كميات صغيرة من الغاز مع مواد أخرى للشعور باكتمال الوزن ، ولان الموضوع فيه خطورة على المواطنين فلا بد من تدخل جهات أخرى إلى جانب وزارة النفط لإحداث الرقابة متعددة الأطراف ، ولكن المشكلة إن هناك انعزالا في أداء بعض الأجهزة الحكومية فلو ذهب مواطن إلى مركز الشرطة للتبليغ عن هذه الظاهرة فانه يتطلب جهودا كبيرة إن تم قبول دعواه ، كما إن بائع هذه الاسطوانة قد يكون مسنودا من جهة معينة وربما يدخل صاحب اسطوانة الغاز بمجازفات التهديد والفصل العشائري ، وفي ظل هذه التعقيدات تتراكم حاليا الكثير من اسطوانات الغاز الإيرانية والتركية غير القابلة للاستبدال في البيوت ، وهو ما يتطلب إيجاد حلولا لها لان أصحابها ليست لديهم استعدادا لرميها والتخلي عنها ، اعتقادا منهم إن الدولة هي المسؤولة عن وجودها حتى وان تم ( استغفالهم ) عند الاستبدال ، فليس من واجبات المواطن أن يكون خبيرا في تمييز اسطوانات الغاز التي دخل غير الصالح منها بغياب دور الجهة المختصة باستيرادها .
مقالات اخرى للكاتب