كثيراً ما نتكلم عن مصطلح الوطنية وهل ان الوطنية شعور بالانتماء ام إحساس عارض سرعان ما يتبدد ان الوطن او الأرض التي نولد فيها ونترعرع في كنفها جزء لا يتجزأ من حياة الفرد وآصرة قوية تكسب الفرد انسانيته ووجوده في الكون وتحدد معالم وجوده ولكل امة وطن فالأمم لا تعيش بدون الأوطان فعلى ثراه تُبنى مقومات المجتمع ويـُكتب تاريخه وتـُحدد هويته وتنشأ الحضارات وتبقى الاثار شاخصة تحكي تاريخ هذه الامة او تلك .
وهناك ارتباط فطري بين الفرد والأرض التي يولد فيها فهي مسقط رأسه ومصيره وهي كرامته وشرفه اللذان لا يتنازل عنهما مهما كانت الأسباب فمن اجل الأوطان يعمل الانسان المستحيل ومن اجل الأوطان يضحي الفرد بكل غال ونفيس وبالأوطان و فوق ثراها تتولد أواصر المواطنة من محبة وإخاء ومصير واحد وتاريخ واحد .
ان الأرض كالأم تمنح الحنان وتمنح الوفاء لابنها وتمنحه الحضن الدافئ ولكن ليس غريباً ان يكون بعض الأولاد جاحدين لامهم فلكل قاعدة شواذ ان من يكرهون اوطانهم ان لم يكونوا شواذ لابد ان توجد قوة خارقة تكسر تلك الأواصر
ان من يزرع الوطنية وحب الوطن في الانسان هي التربية والبيت أولا ومن ثم المدرسة …. والبيت يولي اهتماماً لتربية الطفل للوطن عندما تجد العائلة انها ليس غريبة في وطنها وأنها تشعر في الأمان على ثراه وقد توفرت لها سبل العيش الكريمة الا ان سياسات الحكومات القمعية تقتل كل الاواصر بين المواطن ووطنه من خلال التعسف والاضطهاد والظلم والتجويع عندها تشعر العائلة ان وجودها طارئ ومهمش وان وجودها بائس .
فعندما يرى الطفل معاناة عائلته ويتولد لديه إحساس بالإحباط ويفكر ان وجوده في الأرض جاء خطأ او عرضيا وعليه ان يبحث عن بديل لهذا الوطن من خلال الهجرة او ان يرى الى الأوطان الأخرى كحلم او هدف للحياة الكريمة والمستقرة لا يجد هناك رابطاً يربطه بوطنه . كما ان مخزون ذكرياته يعيده الى الماسي التي كان يعيشها اهله ولا يجد للوطن فضلاً في سعادته وإنما يجد شريطاً من الذكريات المرة في الجوع والعري والبرد او الحر والمرض والخوف والمقابر والسجون والتهميش والتهجير .
وفي حالة عدم الوعي وفي ظل هذا الجهل تتكسر تلك الاواصر ويحس الفرد انه بلا وطن ولا يجد إحساساً بالانتماء له او الغيرة عليه .
اما العامل الثاني و الذي يساهم في زرع الوطنية في الفرد وينميها هي المدرسة ان للمدرسة دوراً كبيراً في صقل سلوكية الفرد من خلال دور المعلم ودور المناهج الدراسية التي تزرع روح المحبة للوطن وخلق الانتماء له من خلال المناهج الوطنية التي تعزز روح المواطنة بوصفها عاملاً أساسياً وكبيراً في تحديد علاقة المواطن بالوطن او المجتمع وان لا شيء يعلو على الوطن كالانتماء القومي او الديني وان الميل للوطن لا يعلوه ميل الى من هو خارج الوطن من دول اخرى او امم اخرى او معتقدات او أفكار ..
وان المواطنة هي الأساس في رسم العلاقة بين الافراد والمجتمع بعيداً عن التمترس تحت مسميات أخرى سواء كانت طائفة او عرقية ويكون شعار الوطن هو الأول ولا شيء يعلو على الوطن بوصفه الوعاء الذي يجمع كل المواطنين .وان راية الوطن هي الراية الوحيدة الخفاقة في سمائه لا تعلوها أي راية أخرى ان زرع روح المواطنة لدى الطالب خاصة في مرحلة الطفولة يتم من خلال سلوكيات المعلمين او التدريسيين والمناهج التي تُغلب روح المواطنة على روح الولاءات الطائفية والقومية والعشائرية وزرع روح المحبة والتعايش باعتبار الوطن حق لكل افراد المجتمع مهما كان الاختلاف الديني او القومي او المعتقد . كل الافراد متساوين في الحقوق والواجبات تحكمهم روح المحبة والاحترام المتبادل في العيش الكريم وتحت مظلة القانون بعيد عن التهميش والانتماء الفئوي .
اما العامل الثالث هو المجتمع ان الفرد يعش في وعاء اسمه المجتمع هو يؤثر ويتأثر فيه وعندما يكون المجتمع على درجة علية من الثقافة والوعي تتحكم فيه العلاقات الإنسانية المجتمعية السليمة من اخاء ومحبة وسلام وقبول الاخر واحترام اختياره بعيداً عن المسميات الضيقة والصراعات المدمرة تحدد علاقاته القوانين والأطر الدستورية وحقوق المواطنة وواجباتها ويحدد نظامه السياسي على اساس المصلحة العامة وعلى أساس مصلحة الوطن ويعي دور المنظمات المجتمعية في نشر القيم الإنسانية والديمقراطية ويعي دور الاعلام بوصفها السلطة الرابعة لها دورها في نشر الوعي وانتقاد وتقويم المسيرة السياسية ويحترم القانون المبني على اطر إنسانية باعتباره القوة الأساسية في تحديد العلاقات ومعاقبة المسيء بعيداً عن الثأر ولانتقام واحترام الثقافات بتنوعها واحترام الإرث التاريخي للأمة وعدم عبادة الافراد من القادة السياسيين وكأنهم ولاة نعمتهم ودفعهم الى السلوك الدكتاتوري والتمادي في التجاوز على مقدرات الشعب والاختيار الصحيح لنواب الشعب وممثليه والقادة السياسيين على أساس الميول الوطنية والبرامج الهادفة لتقدم المجتمع ورفع اسم الوطن عاليا وازدهر كافة الجوانب الاقتصادية والصناعية والزراعية والخدمية والمفاصل الأخرى .ونبذ كل السلوكيات التي تتعارض مع الوطنية من الميول الطائفية والعرقية والمناطقة والعشائرية .
ام الدور الرابع في هذا المجال هي الحكومة كونها الجهة الراعية لكل فعاليات الشعب فالدولة من خلال وصول رموزها بشكل دستوري وباختيار سليم من قبل الشعب ضمن برنامج ديمقراطي واع وعلى أسس البرامج الطموح لتغيير واقع الشعب وبناء دولة مؤسسات لا دولة طوائف ونزاعات ان دور الدولة في زرع روح المواطنة له أهميته من خلال برامجها التثقيفية والاقتصادية وسن القوانين وإتباع سياسة عادلة في عدم التهميش والميل لجهة دون أخرى وتوفير سبل العيش الكريم للمواطن لدرجة ان المواطن يشعر ان الوطن هو من يمنحه هذا الأمان والنعمة وان المواطن مُدين للوطن وعليه الدفاع عنه أيام المحن وان راية الوطن هي الراية الوحيدة التي تعلو الهامات عندما نصل الى تلك المرحلة تختلط الأدوار وتتكامل مع بعضها نحو بناء دولة المواطنة والكل يعمل على انشاء دولة قوية يسودها الآخاء والعمل المثمر وبناء اقتصاد قوي وقاعدة صناعية وزراعية كبيرة وجيش وطني خلاق يدافع عن الوطن لا عن الحكام وتعليم انساني وعلم عالي المستوى يساهم في بناء الوطن لا تهديم مرتكزاته وثقافة عالية في احترام الحريات وتغذية الجوانب الإنسانية وتساهم في الابداع الثقافي والفني وإعلام رائد قوي مبني على الحقيقة وسياسة داخلية تجعل الفرد يشعر بوطنيته واحترام حقوقه وذاته وسياسة خارجية تفرض احترام الغير لهوية المواطن العراقي وجوازه وتلبي طموحة في لعب دور إيجابي في المجتمع العالمي . لو تحققت كل هذه العوامل سوف نحصد ما زرعناه ما زرعته كل الأطراف دون استثناء خيرا وفيرا في الاخاء والعمل المثمر والأمان والتقدم والازدهار في وطن كل منا يحس بانتمائه له في وطن يرفل بالعز والازدهار بعيد عن التهميش والطائفية والعنصرية والتحزب في وطن الانتماء الاول والأخير له لا لغيره في وطن رايته واحدة راية العز والشموخ والسؤدد في وطن ليس فيه ايتام ولا ارامل ولا عاطلين في وطن يصبح التعليم اساسه والثقافة غايته في وطن المواطن يشعر بوطنيته العالية واحترام حقوقه ومعتقده بفضل الدستور والقانون ووعي الاخرين في وطن الاقتصاد مزدر والصناعة في تقدم والزراعة غذاء يكفي المواطن في وطن لا سجون فيه إلا للفاسدين والخونة والأراذل وبذلك نتخطى كل تلك العقد والترهات نتخطى الشعارات الزائفة التي تعزز الانا وتعزز التخندق والكراهية ونتخطى الصعاب الى علم رحب حيث الحرية والأمان والتقدم والازدهار كلنا رابحين ليس هناك طرف خاسر الكل رابحون والكل مستبشرون طالما الراية التي تعلو هاماتنا راية العراق … العراق فقط ….ولا غير العراق.
مقالات اخرى للكاتب