حينما يغرق المسلمون في دوامة من الصراع ويختلط عليهم الحابل بالنابل فلا يعرفون عدوهم الحقيقي فذلك مؤشر على بداية النهاية... إن الحرب قد شنت على الاسلام في العصر الحديث منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوئل القرن العشرين، حينما غزا الاستعمار الاوربي بلاد المسلمين وطمع في أرضهم وخيراتهم... ولم يفعل الاستعمار آنذاك شيئاً سوى أنه شاء أن يجعل من هذه المنطقة الغنية بثرواتها مجالاً حيوياً للغرب، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف بطبيعة الحال إلا بفرض أنماط معينة من الهيمنة، فقد تنوعت الهيمنة بحسب طبيعة المرحلة التاريخية، ابتدء المشوار بالهيمنة العسكرية من خلال الاحتلال المباشر للارض عبر الغزو المسلح، تلته الهيمنة السياسية بتنصيب (الزعماء-العملاء) حكاماً على الشعوب المغلوب على أمرها، ثم الهيمنة الاقتصادية بجعل المنطقة سوقاً كبيراً للبضائع الغربية واستنزاف الموارد والثروات الطبيعية للبلدان الاسلامية، وأعقب ذلك الهيمنة الفكرية من خلال نشر الأفكار المناهضة للإسلام بعنوان التحرر الفكري والوعي السياسي، فشهدت الدول العربية والاسلامية ظهور موجات عارمة من الأيديولوجيات كالماركسية والراسمالية والإشتراكية والديمقراطية والليبرالية، وطغت على الساحة السياسية-الثقافية القيم المجردة الفضفاضة كالحرية والوطنية والقومية...الخ، وكانت هذه الهيمنة الفكرية مصحوبة بتجهيل علمي واحتكار للتكنلوجيا للحؤول دون استنساخ (الثورة الصناعية) الاوربية في البلاد الاسلامية. وأخيراً جاءت الهيمنة الحضارية وهي أخطرها، فكتبت السيناريوهات وأعدت المخططات والاستراتيجيات لضرب الاسلام في حرب صليبية (غير معلنة)، الغاية منها القضاء على الإسلام ديناُ وحضارة وتشويه صورته أمام الرأي العام العالمي، خاصة بعد دخول عدد كبير من العلماء والمتنورين الغربيين إلى الدين الاسلامي على اثر شيوع ظاهرة التأليف في (الاعجاز العلمي للقرآن) مطلع السبيعنيات، حيث ثبت بالأدلة القاطعة توافق القرآن التام مع العلم المعاصر، على عكس ما ورد في كتب اليهود والنصارى (المقدسة) وخاصة العهد القديم والعهد الجديد المشحونة بالخرافات والخزعبلات...
لقد شُنَّت هذه الحرب الصليبية على الاسلام من ثلاثة محاور: المحور الخارجي (السياسي-العسكري) بإعلان الحرب على الدول التي ينتشر فيها الإسلام بحجة تخليصها من بعض الطغاة والأنظمة الرجعية أو الأصولية كما حصل في العراق وأفغانستان، والمحور الداخلي (العقائدي-الآيديولجي) بواسطة صنع جماعات إسلامية جهادية تكفيرية كتنظيم القاعدة وعصابات داعش الارهابية تستقي أفكارها وتعاليمها من ظواهر بعض النصوص الشرعية وتنتمي مذهبياً إلى الوهابية-السلفية وهو مذهب متطرف انشأه اليهود في النصف الثاني من القرن التاسع عشر انطلاقاً من آراء ابن تيمية، والمحور الثقافي (التكنولوجي-التواصلي) من خلال تحريض الشعوب العربية والاسلامية على ممارسة أو تجربة نظرية (الفوضى الخلاقة) فظهرت الانتفاضات الشعبية العارمة التي أسقطت بعض الأنظمة وعجزت عن إسقاط انظمة أخرى، واطلق على هذه الثورات اسم: (الربيع العربي) الذي تحول بعد فترة قصيرة إلى خريف مكفهر ينذر بالكارثة الشاملة...
لازال الإسلام يتعرض لهذه الهجمة الثلاثية ولم يزل المسلمون غارقين في دوامتهم، فلا يعرفون من هو عدوهم، ولا يعرفون كيف يستعدون لمواجهته.