آلاف المسلحين الراديكاليين مدججون بعشرات الأطنان من الأسلحة الفتاكة وبغطاء وتمهيد جوي وناري صهيوني كانوا هم النواة الرئيسية المحضرة لـ«غزوة القنيطرة – لهيب الحرمون» وما يتبعها، وبدورها الأجهزة الاستخباراتية وعلى رأسها الاستخبارات الصهيونية – السعودية الأميركية، جهزت الأرضية والدعم العسكري لهذه المجاميع الراديكالية لتتحرك بهذا الدعم العسكري والتسليحي واللوجستي بهدف إسقاط محافظة القنيطرة، ومحاولة تغيير الواقع الميداني والعسكري بعموم ريفا دمشق الشرقي والغربي ، القيادة العسكرية السورية أيضاً استشعرت خطورة ما هو آتويستهدف محافظة القنيطرة كجزء من مشروع أكبر يستهدف المنطقة الجنوبية ككل، والتي تعول عليها واشنطن وحلفاؤها في تل أبيب والرياض كهدف أول يتيح لهم الوصول إلى مسار عسكري يضمن على الأقل تعديل مسار التوازنات العسكرية على الأرض السورية.
وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أن محافظة القنيطرة بموقعها الاستراتيجي بجنوب سورية تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية، وتحتل أهمية استراتيجية باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافياالسورية، فهي نقطة وصل بين مناطق جنوب سورية ووسط سورية، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية للجولان السوري العربي المحتل، وصولاً للمناطق المرتبطة بالجانب الحدودي اللبناني إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بالعاصمة دمشق جنوباً وغرباً، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمحافظة القنيطرة بخريطة المعارك المقبلة بالجنوب والوسط السوري بشكل عام وبالجولان العربي السوري المحتل بشكل خاص.
القيادة العسكرية السورية وبعد أن استشعرت خطورة ما يحضر للقنطيرة، أوعزت للوحدات العسكرية السورية المنتشرة على نقاط الاشتباك بريف القنيطرة بالاستعداد لصد موجات هذه الغزوة، وهذا ما ظهر بشكل واضح بالفترة الأخيرةوالتي سبقت هذه المعركة «المصيرية»، المعركة بدورها كانت «مصيرية» بكل معنى الكلمة، نظراً إلى الأهداف التي كانت تحملها هذه الغزوة، فقد حملت هذه الغزوة مجموعة أهداف للقوى المسلحة الراديكالية وداعميها، وكان الهدفالرئيسي لهذه الغزوة التي قادتها القوى الراديكالية المسلحة نيابة عن المحور الصهيوني السعودي الأميركي، هو وصل المناطق الممتدة ما بين سلسلة جبال وتلال الحرمون بسلسلة جبال القلمون، من خلال إسقاط بلدة حضر الاستراتيجية، ما يعني تدفق آلاف المقاتلين المتطرفين باتجاه جبل الشيخ، وهذا ما يعني حكماً تأمين إقامة منطقة آمنة وحزام أمني سعى لتشكيلها الكيان الصهيوني على طول الحدود الجنوبية السورية، وما يعني ذلك مستقبلاً من استهداف لمناطق جبل العرب.
على المحور الآخر للمعركة تزامناً مع معركة حضر، كان هناك مخطط من جهة التلول الحمر من قبل هذه القوى الراديكالية وداعميها يسعى للالتفاف بشكل عكسي على وحدات الجيش العربي السوري الموجودة بمدينة القنيطرة وخصوصاً مناطق مدينة البعث وخان أرنبة، وهذا ما يعني بحال حدوثه إسقاط مجموعة تلال استراتيجية لها أهميتها العسكرية وتعتبر مفتاحاً جغرافياً رئيسياً لسلسلة العمليات العسكرية للجيش العربي السوري بمحافظة القنيطرة، وهي تلال الشعار وكروم جبا والبزاق الاستراتيجية، هذه التلال بمواقعها الحاكمة كانت ستشكل بحال سقوطها متغيراً عسكرياً استراتيجياً لمصلحة القوى المتطرفة المسلحة وداعميها، يتمثل بوصل مثلث ريف القنيطرة الشمالي الشرقي بريف دمشق الغربي وريف درعا الجنوبي الشرقي، وهذا ما يعني تشكيل خاصرة رخوة من جهة الغوطة الغربية ومنها إلى الغوطة الشرقية تستهدف العمق الاستراتيجي للعاصمة دمشق.
وجهزت وحدات الجيش العربي السوري الموجودة بمحافظة القنيطرة للتصدي لموجات هذه الغزوة، مدعومة بقوى الدفاع الوطني وأهالي المناطق المستهدفة بهذه الغزوة، ومع انطلاق الموجة الأولى لهذه الغزوة وما رافقها من حربإعلامية، كان الجيش العربي السوري قد استوعب وتكيف مرحلياً مع الضربة الأولى لهذه المجاميع الراديكالية والمدعومة من الجانب الصهيوني عبر غطاء جوي استهدف مواقعآ عسكرية للجيش العربي السوري بمحيط المعارك، وبدأ فعلياً برسم ملامح جديدة لطبيعة المعركة بعموم مناطق محافظة القنيطرة، من خلال توزيع ما يتوفر لديه من إمكانات عسكرية على مختلف محاور المعركة، ومع استمرار فصول وموجات الزحف المسلح من قبل هذه المجاميع المسلحة استطاعت الوحدات العسكرية التكيّف مع ظروف هذه المعركة، وقد نفذت هذه الوحدات عمليات عسكرية تكتيكية نجحت بضرب الخطوط الخلفية لهذه المجاميع الغازية ببلدات بيت جن وجباتا الخشب وغيرها، ما ساهم بوضعمجموعات عدة من هذه المجاميع الغازية بين فكي كماشة وضربها بضربات محكمة.
وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أن الدعم من قبل قوات الدفاع الوطني وأهالي مناطق خان أرنبة ومدينة البعث وحضر وغيرها من البلدات، قد ساهمت إلى حد كبير، بالتصدي لموجات هذه الغزوة، فقد كان لأهالي هذه المناطق دور كبير بالتصدي لهذه المجاميع المسلحة وخصوصاً على المحور الشمالي للتلول الحمر، الذي شهد بدوره معركة طاحنة بين الجيش العربي السوري، مدعوماً بعموم أهالي هذه المناطق من جهة والمجاميع المسلحة الغازية من جهة أخرى، وقد أثمر هذاالجهد والتعاون بين الجيش والقوى الشعبية بالتصدي لهذه المجاميع الغازية، وتحقيق ضربات مباشرة بصفوف المجاميع الغازية، ما دفع هذه المجاميع الغازية للتراجع بعد تلقيها ضربات قاسمة على هذا المحور تحديداً.
ومن هنا، نقرأ وبناء على متغيرات الساعات الأخيرة بمسار هذه الغزوة، والتطور الملموس والنوعي بعمليات الجيش العربي السوري مدعوماً بقوى المقاومة الشعبية بعموم مناطق محافظة القنيطرة، أن خطط القادة الميدانيين بالجيش العربي السوري قد اتجهت باتجاه المنحى الإيجابي، فخريطة العمليات العملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلى أخرى والتكيف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظة القيادة العسكرية الميدانية للجيش السوري بمحافظة القنيطرة بمجموعها قد أثمرت وبعمليات نوعية وخاطفة، في صد جميع موجات هذه الغزوة، وتكبيد المجاميع المسلحة الغازية خسائر كبير، تمثلت بمئات القتلى والمصابين وتدميرعدد كبير من الآليات والأسلحة التي استخدمتها هذه المجاميع الراديكالية بغزوة القنيطرة، والأهم من كل هذا وذاك، أن الجيش العربي السوري وبالتعاون مع قوى المقاومة الشعبية قد نجح بإسقاط جميع أهداف ومخططات هذه الغزوة مع العلم أن المعركة ما زالت مستمرة، وإن كانت بزخم أقل.
ختاماً، بات واضحاً اليوم أن منظومة الأهداف التي حملتها غزوة محافظة القنيطرة"لهيب الحرمون " والتي حيكت بدقة من قبل شركاء الحرب على الدولة السورية، ستبدأ بالتهاوي، واليوم نرى أنها تعيش بفترة ترنح ما قبل السقوط مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرض لها المجاميع المسلحة الغازية لمحافظة القنيطرة، استكمالاً لفشل هذه المجاميع بتحقيق أي إنجاز على الأرض بالمنطقة الجنوبية عموماً بعد فشلها في تحقيق أي اختراق بريف درعا الشمالي وتكبدها خسائر فادحة بمعركة الكتيبة المهجورة أو ما يسمى بغزوة "صد البغاة" ، ومن هنا نقرأ أن القيادة العسكرية السورية تتعامل بحرفية مع مجمل معارك وغزوات الجنوب السوري، والأهم من كل هذا هو أن الجيش العربي السوري بتكاملية عمله مع القوى الوطنية والشعبية نجح بإسقاط منظومة الأهداف الصهيونية الساعية لإقامة حزام أمني بالجنوب السوري، وأفشل كل المحاولات الصهيونية الساعية كذلك لاستهداف أهالي جبل العرب بعموم المنطقة الجنوبية، وهذا ما يؤكد ويثبت أن تكاملية الصمود السوري ممثلاً بالشعب والجيش والقيادة السياسية هي القادرة اليوم على التصدي وردع أي مخطط يستهدف سورية الوطن والتاريخ والإنسان، وهي بداية الطريق لرسم معالم النصر على كل هذا المحور المعادي الذي يستهدف اليوم سورية الدولة بكل أركانها.
مقالات اخرى للكاتب