يتفق معي اي أنسان متحضر ومثقف أن تأثير المكتبة في حياة الانسان كما تأثير القلب في الجسد ، وعلى حد رؤيا لويس خورخي بورخيس وهو يتطلع الى رفوف مكتبته فيحسها السلالم الأقرب الى السماء.
ونعرف من التأريخ في بلدنا أن أول ملك عاشق للمكتبة هو الملك الاشوري ( أشور بأنيبال
) صاحب اكبر مكتبة الواح طين في التأريخ ، وكان يوصي ولاته وسعاته في مدن الدولة : التقطوا اي لوح نافع في علمه وادبه واشتروه .
اضع تلك المقدمة لهاجسي الحزين على ضياع واحدة من مكتبات العراق ( ماكنزي ) التي تقع في شارع الرشيد ( المهدم ) في قلب بغداد والذي كان ينبض بعطر القهوة البرازيلية ورائحة الكتب والنعناع ومحلات الموضة والمسارح والسينمات وزحام ( اورزدي باك ) وليتحول اليوم وبقدرة قادر الى شارع لبيع المولدات الكهربائية ومستلزمات اطفاء الحرائق والادوات الكهربائية وبيع الاقفال والبراغي.
مكتبة ( ماكنزي ) التي اسسها مُحب الكتب والثقافة الاسكتلندي في شارع الرشيد بعد نهاية الحرب العالم الثانية والتي أسست بداية لقيا الوعي الاكاديمي والمكتوب والورقي بين الثقافة العراقية والانكليزية ، واستقطبت عقولا ومبدعين عراقيين شبابا كانوا يحلمون بتطوير هذا البلد من غفوته العثمانية الطويلة .
فدخل عبر ماكنزي هاملت والملك لير وفرجينا وولف واساطير قصور وقلاع ويلز وايرلندا واسكتلندا وفكاهات برنادشو والكثر من الفكر المعرفي الاوربي.
وحين توفي مؤسسها السيد كينث ماكنزي عام 1928 اثر جلطة دماغية أصابته داخل المكتبة أورث المكتبة الى ابنه ( دونالد ماكنزي ) ليديرها . الذي طورها واضاف الى رفوفها معرفيات جديدة تهم الفكر الماركسي وثقافة النهضة المصرية الحديثة ومنها مؤلفات سلامة موسى ومحمد عبده وقاسم امين.
كانت ماكنزي مصدرا للمعرفة الاوربية وباللغة الانكليزية حصرا وظلت تلعب دورها هذا في خدمة طالبي العلم والثقافة حتى اغلاقها عام 1977. وتسليمها الى رجل عراقي لاتعرف ظروف حصوله عليها الى اليوم.
مختصر كل هذا ( ماكنزي ) شاهد آخر على القصد السيء في محاولة تهديم المعالم الحضارية للعراق وطمس هويته التاريخية من خلال دفع اجياله الى نسيان ما يجعلها تفكر بنهضته من جديد.
هذا جزء من اهمال دولة .وعدم احترامها للموروث أي كان جذوره .
مقالات اخرى للكاتب