أصبح الهـر الكسول مجبرا على الاستيقاظ مبكرا على مضض بانزعاج وامتعاض حال سماعه صياح الـديك ثـقيل الظل، يتلفت يمنا ويسارا فلا يـرى سـوى الظلام يحيط به من جميع الجهات، يغمض عينيه مرة أخرى ويغـط في نـوم عميق، والأنوار من حوله خافـته والمكان يلفه السكون، ينهض من نومه ثانية على صياح الديك، تسري في جسده قشعريرة مفاجئة، اثـر نسمات هـواء باردة مفاجئة، حتى يلملم جسده ويضمه إلى بعضه، ويجعله مثل كرة مصنوعة من قماش صوفي، يركن إلى غـصن شجـرة كثيفة الأوراق، فـمن خلال الديك صار الهر يعـلم إن وقت الفجـر قـد حان، محض صداقة حميمة توطدت بين الاثنين أساسها وجودهما في مكان واحد وتقاربهما في السن .
قفز الديك تاركا مكانه أعلى الشجرة والهر ينظر إليه من مكانه بلا مبالاة، حيث يمارس الديك مشواره الصباحي اليومي في السـير الوئـيـد متبخترا ومتباهيا برشاقته وألوان ريشه، فهـو يمتاز بالصرامة والجدية ويتصف بالهيمنة على الدجاجات النحيفات اللواتي يقـفـن بانتظام على جانبي طريقه مثل الجنود في ساحة التدريب، يتقـدم الديك المعـتد بنفسه صوبهن بخيلاء دون أن يرنو إلى احـدهن إلا ما ندر، متمسكا بزمام الكبرياء والاستعلاء في التعامل معهـن، فلا يهادن أو يجامل احداهـن أبـدا، وغالبا ما كان يحدث نفسه بضرورة أن يجسد دور الـذكر القوي والوسيم بين مجموعة إناث اعتـدن على الظهور الحسن والجذاب أمامه، من اجل أن تتخطى إحـداهن جسر الرضا وتنال حبل المودة وصولا إلى قلب الـديك المغرور، تناول بمنقاره حبة قمح صادفها في طريقه، كانت متروكة بإهمال على الأرض الصخرية، أيضا رأى عـدداً من الذباب الميت جانبا ربما بفعل مبيد حشـري، فاخذ يلتقطها بنهم الواحدة تلو الأخرى .
ولما اعتلى الصخرة المرتفعة عن سطح الأرض بنحـو متر تقريبا، أصبح يرسل نظرات الازدراء و الاحتقار صوب الدجاجات، دون أن يلقي عليهن التحية الصباحية، وكان يكتفي بإيماءة بسيطة من رأسه الضخم إلى حـد ما، والـذي يشبه حبة بصلة كبيرة ، ينتهي وقت الطواف على الدجاجات ثم ينصرف عنهن إلى شانه، يقضي جل نهاره يخلد إلى الاسترخاء و التمطي على نحو ما اعتاد عليه، يغالبه الضيق و الاختناق في عالمه النمطي الجديد محدود الرقعة والأفق، وكأنه في سجن انفرادي، منذ أن ابتاعه صاحبه قبل شهرين تقريبا ليتقاسم الحياة مع مجموعة من الدجاجات الغبيات اللواتي بجاحة ماسة إلى ديك مكتمل الذكورة يحفظ سلالتهن النادرة من الانقراض، فأخذت تسيطر عليه سلوكيات فطرية غريبة بعـدم الاقتراب من الدجاجات إطلاقا من اجل التلقيح والتزاوج، كنوع من الاحتجاج والتمـرد على الدائرة المغلقة التي تم زجه فيها بعـد أن كان يسرح ويمرح في فضاءات شاسعة وحقول طبيعية غـناء على مـد البصر، يفرد جناحيه للريح بمزاج رائـق، يفيض حيوية ونشاط، عبثا تحاول الدجاجات جذبه وإغراءه بشتى السبل بدلال طافح وغنج مفرط، لكنه كان يكابر في غض الطرف ويعود ثانية إلى مكانه فـوق الشجرة بالقرب من الهـر الوديع بشكل يجعل الديك ملازما له يتبادلان نظرات الألفة و المودة .
مقالات اخرى للكاتب