لا أحد يقف ضد تحقيق الاصلاح والتغيير الشاملين ، فقد شارك او تعاطف على اقل تقدير أغلبية الشعب العراقي مع التظاهرات والاعتصامات التي امتدت خلال أشهر طويلة سابقة . أما ما قام به ثلة طيبة من النواب في تبني حركة تصحيحية لتغيير الرئاسيات الثلاث والمضي في إصلاحات اوسع ضمن ما يسمى بالدولة العميقة كانت هي الأكثر امضاءاً و نجاعة ومن ثمارها التي نضجت على عجل وقطفت هذا اليوم هي اقالة رئاسة مجلس النواب احدى دعائم المحاصصة اللعينة التي دمرت البلد وقادها السياسيون الكبار وقادة الكتل ولاسيما الكتل الكبيرة.وكما كتبنا بالأمس فان مجموعة من النواب السراق والفاسدين ركبوا موجة الإصلاحات لأسباب ليست وطنية بقدر ما هي شخصية واسبابها تعود الى ضغائن وأحقاد بين كتل السياسية او أفراد . ولكن الشيء الغريب هو أن تجد أعداء الامس الالداء قد أصبحوا أصدقاء اليوم ، فمن يصدق حدوث تقارب سريع بين ليلة وضحاها بين نواب دورة القانون من جناح المالكي ونواب التيار الصدري- سبحان الله - وتجد دلائل ذلك بتواجدهم في لقطات منقولة من البرلمان جنباً الى جانب وقوفاً أحياناً او على طاولة واحدة أحياناً أخرى . ومن يتابع من يقود الحراك في البرلمان حاليا يجد اغلبهم من نواب دولة القانون / جناح المالكي سواء النواب من أقاربه او المقربين جداً منه ، كذلك نواب من التيار الصدري ونواب من تحالف القوى يعتبرون من سنة المالكي وانضم اليهم نواب كتلة علاوي أيضاً بل علاوي نفسه .من يسأل عن الأسباب عليه ان يعرف أولاً كيف ومن اين تدار لعبة الحركة الجديدة التي لا نزال نطلق عليها تصحيحية مؤكدين على ان تنقى من شوائبها وهم النواب السراق والمفسدين قادة المحاصصة ومدمري الوطن خلال 13 سنة مضت.الجواب هو ان الجبهة الشيعية الموالية لإيران والمدعومة من قبلها هي من تدير خيوط اللعبة من لبنان بوجود المالكي والصدر وعدد من قيادات التحالف الشيعي المتصدع حيث ترمي ايران الى تحقيق هدفين ، الاول لم شمل التحالف وابعاد خطر تشرذمه أكثر مما هو عليه ، والآخر هو الأهم يرمي الى ضرب عدة جبهات ابرزها جبهة العبادي المعتدلة والمدعومة اميركياً والمتمردة على ايران وعلى الجبهة الشيعية المتزمتة بقيادة المالكي ، وثانيها ضرب جبهة تحالف القوى التي يمثلها المتشددون بزعامة سليم الجبوري احد رموز الاخوان المسلمين في العراق والمنطقة . المتمرد هو الآخر على جبهة المالكي التي دعمته للوصول الى رئاسة البرلمان ليكون تحت إبطها ولكن هذا المخطط انهار بعد تلاشي آمال المالكي في الحصول على ولاية ثالثة . تمرد الجبوري ظهر خلال عدة نشاطات قام بها خلال اقل من عام واحد . أهمها ذهابه الى قطر وحضوره اجتماع معارضين لنظام الحكم في العراق الجديد. وزيارته الى واشنطن وتصريحاته ضد الحشد الشعبي رغم تبرئه منها بعد عودته الى بغداد ، ولقاءاته المستمرة مع اردوغان ورموز الاخوان المسلمين في تركيا والمنطقة وغيرها من النشاطات التي لم تعجب ايران وجناح المالكي المتشدد في إطار التحالف الوطني ، وتبنيه دعم الجهات السنية في ديالى التي تنظر اليها ايران اهم مناطقها المتاخمة لحدودها. ورغم تسارع الأحداث المتجهة الى إختيار رئاسة برلمان جديدة وقرارها باستضافة العبادي يوم السبت وهي متجهة الى إقالته ، إلا انه وكما يقال ( الهدوء يسبق العاصفة). فالأميركان لم يصدر عنهم شيء خلال اليومين الماضيين ولكنهم بالتأكيد يراقبون الموقف بتفاصيله وبقلق ، فهم لن يتركوا العبادي رجلهم الحالي في العراق تسحقه حادلة الجبهة المدعومة من ايران بما تضم من شيعة وسنة من الموالين لها في البرلمان .أقل ما يتوقع ان تقوم به أميركا هو إطلاق الذئب الواقف على حدود بغداد وعدد من المحافظات المواجهة لداعش لكي يتقدم خطوات للأمام ليهدد استقرار العاصمة والمحافظات الاخرى من اجل وقف هذه التطورات التي لا تصب في مصلحتها وهي التي أعلنت في الاسبوعين الماضيين ضرورة المحافظة على الاستقرار السياسي لعدم زعزعة الحرب ضد داعش . كما ستعود لتهدد بانهيار سد الموصل الذي سيغرق اكثر من نصف البلد ان حدث لا سامح الله ، وستهز الجرس في الجانب الاقتصادي مهددة ومتوعدة بأن صندوق النقد الدولي والجهات المصرفية الدولية لن تتعاون مع العراق كداعم اقتصادي اذا ما تزعزع الوضع السياسي . وربما سيشهد الوضع تدهور أمني ستقوم هي به او يقوم به من لا يرغب بالتغيير وخاصة الجهة التي فقدت منصب رئاسة البرلمان وهي المعروفة بتشددها . نعود لنقول ان الأيام حبلى بالاحداث والحكيم من اتعظ بغيره فلا يغرنكم ما يقوم به راكبو موجة الإصلاحات الراغبين باسقاط الجبوري والعبادي معاً لمصالح خاصة ، مع انهما يستحقان الإقالة ولكن ليست بأيدي من يستحق الإقالة قبلهما ، بل والاحالة الى المحاكم بتهم سرقة المال العام والفساد وزرع واثارة الطائفية والمحاصصة وغيرها من الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب العراقي.
وكما قال الشاعر الرصافي :
لا يَخدعَنْكَ هُتافُ القومِ بالوَطَنِ ... فالقومُ في السرِّ غيرُ القومِ في العَلَنِ
حفظ الله العراق والعراقيين وفضح وأذل السراق والفاسدين وأدعياء الدين.
مقالات اخرى للكاتب