مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
يعبر الاعتقال والحجز التعسفي عن عملية اعتقال أو احتجاز الأفراد في قضايا بحيث لا يكون هناك أي دليل أو اشتباه بقيامهم بأي عمل يخالف القوانين النافذة المحلية أو لم تكن عملية الاحتجاز جزءا من العملية القانونية.
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة على الحظر المطلق للتقييد التعسفي لحريات الأفراد في المادة التاسعة تحت نص "لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً." والمادة الخامسة من الاتفاقية الأوربية تنص "لا يجوز حبس شخص إلا بناء على محاكمة قانونية، وأن يكون التجريم عن فعل وقع."
ومشروع مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، المبدأ/3، "لا يجوز تقييد أو انتقاص أي حق من حقوق الإنسان التي يتمتع بها الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والتي تكون معترفاً بها أو موجودة في أية دولة بموجب القانون أو الاتفاقيات أو اللوائح أو الأعراف، بحجة أن مجموعة المبادئ هذه لا تعترف بهذه الحقوق أو تعترف بها بدرجة أقل".
وفقا لما تقدم، كيف يمكن وصف الاعتقالات الواسعة التي تنفذها السلطات التركية بحق عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك العسكريين والمدنيين والقضاة والإعلاميين والمدرسين والعمال وغيرهم من الشرائح الاجتماعية التي تتهمهم السلطات التركية بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة أو وجود علاقة تنظيمية مع رجل الدين المعارض "غولن" الذي تتهمه السلطات بالتخطيط للانقلاب؟، وما هو الموقف القانوني الذي يجب أن تأخذه المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني في ظل التصاعد الرهيب في عدد المعتقلين والمحتجزين دون اتهامات قانونية محددة؟
نحو 70 ألف مواطن تركي أو يزيد احتجزتهم السلطات التركية على ذمة التحقيق ومددت فترة احتجازهم دون اتهامات. كما أصدرت السلطات مذكرات اعتقال بحق عشرات الصحفيين والإعلاميين، وسرحت الآلاف من الجنود والضباط، وفصلت الآلاف من العمال، وسحبت جوازات سفر الآلاف أيضا، تحسبا لمنع هروبهم من تركيا. ومن جهة أخرى، أصدر أردوغان مرسوما يقضي بإغلاق أكثر من 1000 مدرسة خاصة، و1229 جمعية ومؤسسة خيرية و19 نقابة عمالية و15 جامعة و35 مؤسسة طبية للاشتباه بصلتهم التنظيمية برجل الدين المعارض فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب.
ومن أجل الإمعان في حملات الاعتقال الجماعية، أصدرت الحكومة التركية أول مرسوم لها بموجب السلطات الجديدة التي يمنحها إياها إعلانها لحالة الطوارئ يتضمن زيادة المدة الزمنية الممكنة لاحتجاز المعتقلين دون توجيه الاتهام إليهم، من أربعة أيام إلى 30 يوماً.
وفي الواقع، فان إعلان حالة الطوارئ، وتشريع مراسيم تقييد الحريات الشخصية المهنية، أتاحت للسلطات التركية ممارسة المزيد من التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة ضد المعتقلين. كما أتاحت لها فرض قيود إضافية مثل إشراف الموظفين الرسميين على الاجتماعات السابقة للمحاكمة بين المعتقلين والمحامين، وحتى على تسجيلها، بينما يقيِّد اختيار المعتقلين لمن سيمثلونهم، ما يفاقم من التجاوز على الحق في محاكمة عادلة.
واعتبرت مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تركيا إيما سنكلير ويب "أن مرسوم حالة الطوارئ يتخطى الهدف الشرعي المتمثل في محاسبة المسؤولين عن محاولة الانقلاب الدموية." وقالت إن المرسوم "خطوة فظة تتضمن تطهيرا تعسفيا واسعا ونهائيا يشمل الموظفين الحكوميين والمدعين العامين والقضاة، وإغلاق مؤسسات خاصة، من دون دليل أو تبرير أو إتباع إجراءات قانونية". وأكدت سنكلير أن لغة المرسوم "مبهمة ومفتوحة على التأويلات، وتسمح بفصل أي موظف حكومي بزعم علاقته بأعضاء في منظمات إرهابية".
وفي وقت سابق، ذكرت منظمة العفو الدولية استنادا إلى حوارات مع محامين وأطباء وأشخاص يعملون في مراكز الاحتجاز "أن هناك أدلة تشير إلى أعمال تعذيب واغتصاب واعتداء جنسي وإساءة معاملة وحرمان من الغذاء والعلاج الطبي في مراكز الاحتجاز." وحذرت المنظمة من أن الإجراءات الجديدة التي تمارس بموجب حالة الطوارئ سوف تسمح بإبقاء الموقوفين قيد الاحتجاز لمدة 30 يوما من دون توجيه التهم إليهم، وبوضع قيود على الإجراءات القضائية، مثل حق المحتجز في اختيار محام.
وقال جون دالهاوزن، مدير برنامج أوروبا في منظمة العفو الدولية، إن "التقارير التي تتحدث عن الانتهاكات، بما في ذلك الضرب والاغتصاب في الحجز، تبعث على الفزع الشديد، وخاصة بالنظر إلى نطاق الاعتقالات التي شهدها الأسبوع الماضي. وما التفاصيل المثيرة للقلق الشديد التي وثقناها سوى لمحات خاطفة عن الانتهاكات التي ترتكب كل يوم في أماكن الاحتجاز."
نخلص مما تقدم أن السلطات التركية مازالت تقوم بحملة اعتقالات واسعة في صفوف المدنيين والعسكريين والقضاة والادعاء العام والإعلاميين والمدرسين والجامعيين، وحرمت الآلاف من حريتهم الشخصية والمهنية. وليس هناك ما يشير إلى وجود ضوابط قانونية محددة يُحتجز على أساسها المعتقلون، بل هناك أدلة قطعية تؤكد قيام السلطات التركية بتعذيب المتعقلين وإهانتهم وحرمانهم من حقوقهم القضائية والقانونية في محاكمة عادلة ومنصفة.
ما يحصل في تركية من انتهاكات لحقوق الإنسان وحقوق المعتقلين لافت للنظر، ولابد للمنظمات الدولية المعنية بشؤون حقوق الإنسان والسجون، أن تبذل ما بوسعها للحيلولة دون تفاقم أوضاع حقوق الإنسان في التركية من خلال:
- حث السلطات التركية على أن تفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن لا تسيء استعمال حالة الطوارئ بالسحق على حقوق المعتقلين، فالحظر المفروض على التعذيب مطلق ولا يجوز تقييده أو الالتفاف عليه بأي حال من الأحوال.
- إدانة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في أماكن الاحتجاز، وحث السلطات التركية بالتوقف فورا عن انتهاك حقوق السجناء واتخاذ خطوات ملموسة لمكافحته وإخضاع الجناة للمساءلة.
- ينبغي للسلطات ضمان إخطار نقابة المحامين وأفراد عائلات الموقوفين باعتقالهم دون تأخير، وإفساح المجال أمام المحامين كي يلتقوا بموكليهم دونما عوائق وفي جميع مراحل الاحتجاز.
- دعوة "اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب" وهي الهيئة المستقلة الوحيدة المخولة بالقيام بزيارات دون موعد مسبق إلى جميع أماكن الاحتجاز في تركيا، في أي وقت تشاء، للقيام بزيارة طارئة على وجه السرعة إلى تركيا لمراقبة ظروف الاحتجاز هناك.
- دعوة السلطات التركية لإعادة "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في تركيا"، التي كانت مخولة بزيارة مرافق الاحتجاز في البلاد لمراقبة ظروف الاعتقال، والتي ألغيت في أبريل/نيسان 2016، لتبقى البلاد دون مؤسسة بمثل هذه الصلاحيات، لأنه من الضرورة بمكان السماح للمراقبين بزيارة هذه المراكز.
مقالات اخرى للكاتب