مبادئ الحسين لا زالت في اعماقنا وقابلة للتطبيق في هذا الزمان لكنها بحاجة الى شيء من التأمل والتفكير كي نجعل نظرتنا للقضية نظرة ثاقبة ملمة بأبعاد اخرى ربما تكون منسية او لم تلاقي الاهتمام الكاف الذي يناسب حجمها الى الان , قضية الحسين (ع) انسانية ليست درامية شعارها " هيهات منا الذلة" وعلينا ان نعرف جميعاً ان الطف ليست كما نظن مجرد معركة بين طرفين متخاصمين بقدر ما هي صراع بين الحق والباطل , الخير والشر , الفضيلة والرذيلة , العدل والظلم, ولو دققنا النظر بأفق واسع نلاحظ ان هذا الصراع ليس بالشيء الجديد بل هو صراع قديم مستمر منذ الازل وقد حصد العديد من الارواح منذ ان قامت الحياة كما انه تجسد في عدة مواقف وعدة ازمان ,في كل مرة ينتصر الحق لكن على حساب مجموعة تضحيات تقدم كي يظهر الحق , اذن لا بد من وجود تضحيات نقية خالصة لله وحده والا لن يبقى للحق من كلمة.
من المؤكد ان هذه التضحيات حاضرة ومستمرة ولا بد منها بدءا بقتل هابيل وتضحية ابراهيم (ع) بولده اسماعيل ثم تضحية يعقوب النبي بيوسف (ع) مرورا بتضحية ام موسى بطفلها وتضحية عيسى (ع) بنفسه وصولا الى تضحيات الرسول الاكرم عليه افضل الصلاة والسلام ثم الحسين (ع) . فلا نستغرب ان يقدم هذا الرجل كل ما عنده من ابناءه واهله واصحابه ومن ثم نفسه في سبيل كلمة الحق, فهو على ادراك تام ان القضية بحاجة الى تضحية بهذا الحجم وهو اهلاً لها.
ألا يستحق هذا الانسان ان يكون قدوة ليس للمسلمين فحسب بل للانسانية جمعاء فالحسين ليس حكرا على فئة معينة , لانه لم يضحِ فقط من اجل الاسلام وانما من اجل الحق ليقهر الباطل من اجل الخير ليقهر الشر من اجل العدل ليقهر الظلم من اجل الحرية ليقهر الاسترقاق والعبودية, ألا ينبغي جميعا ان نخطي خطاه او على الاقل نحافظ على ما ضحى من اجله.
للاسف اليوم كلٌ يهتف للحسين بدون معرفة حقيقية للحسين , الكل يهرج بأسم الحسين لكن قليل من يعرف قيمة هذا الرجل , البعض يقطع شارع رئيسي بأسم الحسين لكي يؤسس موكب للحسين! اي هرطقة هذه؟ هل يرضى الحسين بهذا الفعل؟ اذا كنت تحب الحسين فهو يدعوك ويدعو الجميع ان تؤسس موكب في قلبك اولاً قبل ان تؤسسه في الشارع , الحسين لم يقدم كل هذه التضحيات كي تغلق شارع بأسمه , الحسين لم يستشهد كي تؤذي الاخرين وتتعدى على حقوق الصالح العام, هل يرضى الحسين بأذى الاخرين بأسمه؟ اهكذا نحي ذكراه؟
الحسين خرج للاصلاح ونحن نخرب ما اصلحه , الحسين لا يريد الشعارات لا يريد تهريج, احيوا ذكراه بالشعور لا بالشعار , احيوا ذكراه بطريقة حضارية تناسب عظمته , تعلموا من شخصية الحسين فالحسين كله دروس وعبر, نحن بأمس الحاجة الى هكذا دروس اكثر من حاجتنا للشعارات.