لم تكن علية حسين ذات الواحد والخمسين عاما تتصور ان فرحتها الكبيرة بموافقة أشقائها على شراء منزل والدها المتوفى ستتحول الى مأساة ومسلسل من الندم العميق في يوم ما، فقد اشترت ذلك المنزل وهي تأمل ان تعيش ماتبقى من حياتها وهي تغترف ذكرياتها من بئر ماضيها الجميل، ولكن سرعان ما غابت تلك الاحلام خلف سحابة سوداء من الاجراءات المعقدة لاجراء معاملة التخارج عن الميراث. وتقول علية حسين المكناة بأم محمد بصوت مثقل بالحزن: الكثير من الناس لا يفكرون اطلاقا بشراء منزل يعود لعدد من الورثة مهما كانت الاسباب، لا سيما إذا كان هؤلاء يسكنون خارج العراق ، لذلك يفضل الورثة بيعه الى احدهم وبالتراضي، للتخلص من العبء الذي ينتظرهم خلال اجراء عملية التخارج عن حصصهم في محكمة الاحوال الشخصية.ويقول المستشار القانوني رامي الغالبي :إن «اسباب نفور البعض من شراء بيت الارث هو كثرة المشاعين فيه، كذلك فان إجراءات نقل ملكيته تكون اصعب بكثير من نقل ملكية البيت العائد لمالك واحد، لذلك يفضل بيع البيت الموروث الى احد الورثة دون غيرهم».
ويضيف الغالبي:» اغلب اسعار المنازل التي تعود الى ورثة تكون ضئيلة مقارنة بأسعار المنازل الاخرى وذلك يعود الى الخبراء الذين تنتدبهم المحكمة في تقييم اسعار المنزل اما على اساسٍ شخصي او بناء على تسعيرة الدلالين في المنطقة وغالبا ما تكون تلك التسعيرات تجارية والغاية منها الربح فقط».ويشير الغالبي الى ان» من حق الورثة ان يطالبوا بانتداب خبراء جدد فيما لو كان السعر غير مرض، فتنتدب المحكمة ثلاثة وبعدها خمسة وقد يحصل فرق في السعر الا انه يبقى ضئيلاً، فيعرض في المزاد بسعر 70بالمئة من سعره الاصلي الذي قدمه الخبراء، وإذا لم تتحقق عملية البيع والشراء فيستطيع ان يشتريه أي شخص بسعر 70بالمئة من دون منافس ويبقى سعر البيت مغبونا خاصة وان كان المشتري احد الورثة».
إزالة الشيوع
ازالة الشيوع هي الدعوى التي يقيمها احد الورثة امام محكمة البداءة المختصة مطالبا فيها إزالة شيوع ملكية البيت أو الأرض، وإذا وجدت المحكمة الملك قابلا للقسمة فعلت ذلك وقسمته وفقا لما يستحقه الورثة من سهام، ما لم يوجد مانع قانوني، أما إذا كان الملك غير قابل للقسمة فانها تعرضه للبيع في مزاد علني يتم الإعلان عنه في وقت مبكر.
وإذا ما قبلت المحكمة طلب إزالة الشيوع، فانها تصدر قراراً بوضع يدها عليه حتى حسم ملكيته، وأول إجراء لها هو تكليف خبير مساح بوضع خريطة للبيت يبين مساحته وموقعه من العقارات المجاورة وحدوده ومشتملاته، وتقدير قيمته (ارضا وبناء) وقربه من الاسواق ودرجة عمرانه بالاعتماد على اسعار العقارات المجاورة وآراء اهل الخبرة.
بعد حصول المحكمة على تقرير الخبراء تعلن عن بيع العقار بالمزايدة العلنية في صحيفة محلية يومية مبينة اوصاف العقار وموقعه ومساحته وعدد شاغليه وصفتهم وقيمة العقار.
ثم تقوم المحكمة باجراء المزايدة العلنية لبيع العقار في اليوم الذي تحدده وهو يوم الثلاثين من تاريخ يوم النشر ويشارك في المزايدة الشركاء والاجانب على العقار على ان يقدم المزايد 10بالمئة كتامينات من القيمة المقدرة للعقار.
وإذا لم يتقدم أحد لشراء العقار، فان المحكمة تجدد الإعلان لمدة 15 يوما، وإذا تكررالحال فانها تعيد الكشف بالاستعانة بخمسة خبراء حتى يتقدم أحد لشرائه، وعندها تقوم بتوزيع ثمنه على الشركاء كل حسب استحقاقه ووفقا للقانون.
متعلقات أخرى
وبدا وجه أم محمد المتغضن بتجاعيد اليأس مثل ارض جدباء خلت من مظاهر الحيوية وحب الحياة وهي تتحدث عن رحلتها العسيرة في نقل ملكية المنزل قائلة: عندما قررنا شراء المنزل لاقت الفكرة ترحيب جميع الورثة وبادر الجميع الى استلام مبالغ مالية بما يرضيهم، و بعد صراع مستمر، وقلق متواصل، وعدم استقرار رافقتنا في كل لحظة من رحلتنا في دائرة التسجيل العقاري، جاءت الكارثة غير المنتظرة، لتفسد جميع الآمال والتقديرات التي حسبت لها حسابا حيث تبين ان هناك مشكلة تخص حق التصرف بملكية البيت لوجود اشارة حجز من ديوان الرئاسة عام 1991 لتبقى القضية معلقة حتى عام 2003!
وفي ما يخص شروط وضع اشارة عدم التصرف بملكية العقارات في القانون العراقي يقول الغالبي: تقام دعوى يكون حاكمها نقل ملكية المال،او تعديل مقدار الحصص فيه او ازالة شيوعه كدعاوى الاستهلاك، أوكاقامة مشتري العقار خارج دائرة التسجيل العقاري دعوى على بائعه اليه، كطلب تمليك العقار وتسجيله باسمه في دائرة التسجيل العقاري المختصة، او اقامة واهب العقار الدعوى على الموهوب اليه بطلب الرجوع في الهبة او فسخها واعادة تسجيل العقار باسمه او ان يقيم مالك العقار السابق الدعوى على مالكه الحالي بطلب ابطال قيد تسجيل العقار باسم المدعى عليه تسجيله باسمه لبطلان عقد البيع، أو لأن المعاملة مزورة او كون شخصاً اخر حضر بدلا عنه فانتحل صفته وسجل العقار باسم المدعي عليه، او ان يقيم مالك الاسهم السابق في شركة الدعوى على مالكها الحالي بطلب ابطال تسجيل السهام باسمه لعدم صحة نقل ملكيتها من اسم المدعى الى المدعى عليه، وقد يكون مآل الدعوى هو قيام المحكمة ذاتها بالتصرف بالمال ببيعه او قسمته عيناً كما في ازالة الشيوع، فتوضع اشارة عدم التصرف هنا من اجل منع الشركاء من نقل ملكية سهامهم في ذلك المال لحين تصرف المحكمة به وفق القانون بالبيع او القسمة العينية.
إشارة الحجز
وعن رحلة أم محمد في دائرة التسجيل العقاري يروي نجلها الأكبر تعليقا على ذلك: بعد مراجعة دائرة التسجيل العقاري لمعرفة الإجراءات التي يجب اتخاذها في هذه الحالة اتضح أن العقار وضعت عليه إشارة عدم تصرف ولا يمكن بيعه او تسجيله، وبعد الاستفسارعن ماهية هذه الاشارة و الجهة التي قامت بذلك، لم نجد اي اجابة شافية وكانت الحجة التي تربعت على لسان موظف التسجيل هي أن الكتابة الموجودة على اضبارة المنزل غير واضحة وانه من المحتمل ان تكون امانة بغداد هي من وضعت اشارة الحجز وبعد عدة زيارات للامانة ومراجعة عدة مديريات تابعة لها نفت اي علاقة لها باشارة عدم التصرف، وبذلك عدنا الى نقطة البداية وسؤالها الأول: من هي الجهة المسؤولة عن هذه
الاشارة؟.
ويضيف بنبرة مثقلة بالحزن: اصبحت الاجراءات أكثر تعقيدا بعد نفي امانة بغداد علاقتها بالموضوع، فانتقلنا الى دائرة هيئة حل نزاعات الملكية العقارية التي قامت بوضع اشارة الحجز وذلك بناء على دعوى مقدمة من قبل احد الاشخاص يدعي فيها انه مالك الارض التي بني عليها 23 منزلا وتم مصادرتها من قبل النظام السابق، وبعد اجراء التحقيقات اللازمة من قبل هيئة نزاع الملكية اتضح عدم مصداقية ما يدعيه.
غير ان الهيئة اكتفت بذلك ولم تبلغ دائرة التسجيل لغرض رفع اشارة الحجز الا بعد مراجعتنا للهيئة، فقامت بدورها بارسال كتاب الى دائرة التسجيل العقاري لغرض رفع اشارة عدم التصرف عن جميع المنازل في تلك المنطقة.
أكثر تعقيدا
وتكمل أم محمد قصة تنازل الورثة عن ملكية المنزل فتقول:
اغرقتنا الاجراءات المتعلقة بنقل الملكية في متاهات من اليأس، عندما رفض القاضي الوكالة المقدمة من اشقائي الذين يسكنون خارج العراق وطلب حضورهم شخصيا لغرض التنازل عن حصصهم. وتقول أم محمد والالم يعتصر قلبها:
يعد هذا التصرف من قبل محكمة الاحوال الشخصية والقاضي المتمثل مشككا بعمل الدولة واجراءاتها، لكون الوكالات مصدقة من قبل وزارة الخارجية، والبنك المركزي، وهيئة الضرائب، ودائرة الكاتب العدل!
وتصمت ام محمد قليلا لتلتقط انفاسها وتستطرد في حديثها من جديد:
وهذا ما دفعنا الى شراء حصتهم بصورة مباشرة عن طريق التسجيل العقاري، ولكن ما ان باشرنا بعملية التحويل لجميع الحصص الى الهيئة العامة للضرائب وهنا حدث مالم يكن في الحسبان !
ويؤكد الغالبي على ان الاشارة قد توضع بمناسبة اصدار بعض الحجج كالوقف، ولا تصح اشارة عدم التصرف على اموال المدعى عليه (المدين) بناء على دعوى يطالب فيها المدعي بدين بذمته ولو كان الدين المطالب به ناشئاً عن تعامل بذلك المال كأن يطالب المدعي بالزام المدعي عليه برد بيع العقار الذي باعه اليه، وامتنع عن تسجيله باسمه في دائرة التسجيل العقاري المختصة، ويطلب وضع اشارة عدم التصرف على قيد ذلك العقار، فلا يجوز وضع اشارة عدم التصرف في هذه الحالة لان الدعوى ليست من الدعاوى التي تؤدي الى نقل ملكية العقار، فهي لا تستلزم وضع اشارة عدم التصرف على قيده فلا يتصور منها الحكم بتغيير الملكية ولا تعديل المساهمة او الحصص فيه، ولا ان تؤدي الى ازالة لضمان دينه. وتضيف أم محمد وهي يائسة جدا: نتيجة لقدم التخارج طالبتنا الهيئة باحضار جميع الورثة مع مستمسكاتهم الرسمية الاصلية ، وبذلك عادت القضية من جديد إلى المربع الأول، وضاعت كل جهودنا، وكل ما أنفقناه في سبيل ذلك، ليبقى موضوع حسم ملكية البيت معلقا بذمة المجهول الذي لا يعرف قراره أحد.
مقالات اخرى للكاتب