Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
سيدي البطريرك ساكو: كنيستُنا بحاجة لوحدة الصف والكلمة والموقف لا التشظّي والتشرذم والتباعد
الأربعاء, كانون الثاني 18, 2017
لويس إقليمس

 

لو بحّت الأصوات وخفتت، فإنّ الأقلام الصادقة الشجاعة المؤمنة بمصلحة الشعب والوطن، والأمّة والمواطن، والكنيسة والجماعة، لن تركنَ الحقيقة المطلوبة جانبًا، أو تتخلّى عن الواقع المؤلم القائم، أو تغادر الطموح المرتجى.

 بمناسبة اللقاء الثالث لكهنة العراق الكلدان حول "التنشئة المستدامة" في عينكاوا 23-25/1/2017، كتب غبطة بطريك الكنيسة الكلدانية لويس ساكو، أفكارًا جميلة، "تعبر عن محبته للكنيسة والبلد والناس" بحسب وصفه، "كي يدرك المعنيون أبعادَ هذه الكلمات الجميلة ويتفاعلوا معها بعمق ومسؤوليّة".

ولعلَّ ممّا جاء أيضًأ من كلام منير، أنّ "كنيسة المسيح هي كلُّ المؤمنين الذين يجمعهم الروح الواحد في أخُوّة شاملة، ويجدِّدُهم يوميّاً حتى اكتمال بنوتهم لله أبيهم. الكلُّ أخوة، وتلاميذُ الرب الواحد، ولكلِّ واحدٍ موهبة خاصة للإسهام في بنيان الكنيسة (الجماعة)، مع التأكيد أن الرئاسة هي أبُوّة لضمان الوحدة والتنشئة، ورعاية لتسيير الأمور، لكنْ يبقى "الأكبر فيكم يكون لكم خادماً (متى 20/26). الأنسان ليس عظيمًا لأنه يحتلّ هذا المنصب أو ذاك، بل يبقى متميزاً عندما يرسم ملامحه الخاصة بعمله وجديّته ومثابرته ومحبته وبذل ذاته بفرح."

يسرّني أن أتخذ من هذا الكلام الجميل، مدخلاً لمقالتي بخصوص الحدث المؤلم المتمثل بانسحاب رئاسة الكنيسة الكلدانية من مجلس رؤساء الطوائف (الكنائس)، أيًا كانت الأسباب والحجج والذرائع. فالقرار صادم ووقعُه قاتل ونتائجُه أكثر ضررًا من فوائده. "مَن اشتهى الرئاسة، فقد اشتهى عملاً صالحًا". ولكن لهذه أصول وشروط وسياقات، لاسيّما ونحن نعيش في الزمن الصعب الذي فيه هويتنا ووجودُنا ومسقبلُنا المسيحي أصبح على المحكّ.

 

مرجعية مسيحية منشودة متعثّرة

أبدأُ حديثي بحقيقة ذي صلة بالقرار الصادم لرأس الكنيسة الكلدانية، ولابدّ أنه كان الخيار الصعب أمام رأسها، تاج رأس الجماعة المسيحية في عموم العراق، وليس للكلدان فحسب، تمامًا كما الجميع يوقّر ويحترم ويلثم أيادي سائر الرئاسات، كلّ حسب مقامه ورتبته وشخصه. 

كتب العديدون فيما مضى، عن ضرورة قيام مرجعية مسيحية مستقلّة مدنية موحدة تتبناها الكنيسة ورئاساتُها في العراق، كي تتولّى المطالب الوطنية المشروعة الموحدة لشعبنا المهمَّش، بعد الإدراك بتواصل تهميشه وإذلالِه بفعل الإرادة الشريرة للقائمين على الحكم وأحزابهم الطائفية الجشعة المنتفعة من الوضع القائم والممزّق. ولهذا التوجه كانت له مبررات وحيثيات ودواعٍ ملحة، تكمن في تشرذم مرجعياتنا الكنسية حينًا، وتحسّسها مع بعضها البعض فيما بينها، ما نجم عن عدم اتفاقها على توحيد الخطاب الكنسي والآخر العام بشقيه السياسي والدينيّ.

 وفي مناسبات عديدة، أعربتُ شخصيًا، عن الضرورة الملحة لتشكيل مثل هذه المرجعية (راجع الروابط كما نُشرت في عدة مواقع إلكترونية: في تموز 2016، وفي كانون أول 2016 وفي تموز 2015، وفي أيار 2015 وفي أيلول 2013). وقد ساهمتُ مع غيري من أصحاب النوايا الطيبة بدفع هذه الفكرة إلى الأمام قدر المستطاع، خاصةً من خلال لجنة التنسيق الخماسية التي شرفني أن أكون عضوًا فيها، والتي كانت انبثقت عن هيئة الرأي المشكلة بموجب مبادرة غبطة البطريرك لويس ساكو في صيف 2015، وضمّت آنذاك رؤساء طوائف وكنائس وشخصيات كنسية ومدنية وممثلي أحزاب مسيحية. فقد دأبت هذه اللجنة المصغرة على المثابرة في عملها وكثّفت من لقاءاتها مع رؤساء الكنائس والطوائف. لكنّها حين اقتربت من قطف الثمار بتطويع إرادات الرؤساء الكنسيين جميعًا وإقناعهم بها خدمة للصالح العام، جاءت الصدمة. فقد تفاجأنا على حين غرّة، بقرار ارتجالي من جانب غبطة البطريرك ساكو، يوجّهُنا فيه بالاعتماد على إمكانياتنا وقدراتنا في موضوع تشكيل هذه المرجعية المسيحية المستقلة. وقد أدركنا أنَ مردّ هذا التوجّه المستجدّ بالتنصّل عن دعم المبادرة، أتى انطلاقًا من نية غبطته كرئيس أعلى للكنيسة الكلدانية بالانسحاب من تشكيلة مجلس رؤساء الطوائف المسيحية، بسبب خلافات على رئاسته وبحجة عدم فاعليته، انطلاقًا من واقع الكمّ العددي لأتباع هذه الكنيسة في العراق، وربما بسبب تأثير اللوبي الكلداني في دول الاغتراب، ناهيك عن أسباب ذاتية ظلّت طيّ الكتمان لا يعلمُ دهاليزَها سوى مَن اختبروا الزمنَ وأحداثَه وتأثيراته. ونحن نعلمُ جيدًا، أن الشعب والجماعة ينظرون إلى المراجع الدينية، والكنسية منها بصورة خاصة، كونها رموزًا واجبة الاحترام والإجلال والسمع. وبموجب هذا التوجيه الجديد، أدركنا أنّ الكنيسة قد تنصلت عن هذا المشروع المصيريّ وسلّمت الراية للمصير المجهول مرة أخرى، مسترخية في سراديب النوم والغفو العميق واللامبالاة بشأن ما يحدث ويجري. وحسَبنا أن مثل هذا التنصّل يجري بالتوازي مع آراء وأفكار جهات تدين بالولاء لأحزاب مسيحية متلكئة وهزيلة في الساحة السياسية، ترى في هذه المبادرة، سحبًا للبساط من تحت اقدامها، وصدًّا لمصالحها ومكاسبها ومشاريعها الفئوية الخاصة التي ينعمون بها منذ 2003.

 

تداعيات انسحاب الكنيسة الكلدانية من مجلس رؤساء الطوائف

كتبَ بعضُ الإخوة في هذا الاتجاه، أي في مسألة انسحاب الكنيسة الكلدانية من مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق، كلّ حسب رؤيته للأحداث والهدف الذي يرمي إليه وبحسب قناعاته وموجباتها. وظهرت ردود فعل عديدة متباينة، بين مؤيد ومعترض، بين ناقد وداعم، بين ذاتيّ وموضوعيّ. فيما آثر آخرون السكوت والانتظار والترصّد. وهذا الموقف الأخير، ليس من طبعي. فحاملُ الفكر والرأي والمبدأ، يقول ما يمليه عليه ضميرُه، مهما كان وقعُه على المقابل، صديقًا أم غريمًا أم ندّا أمْ عامًّا، سلبًا كان أم إيجابًا. لكنْ في اعتقادي، يبقى الرأي الأهمّ للجماعة المسيحية بكافة تشكيلات كنائسها للردّ الموضوعي وإبداء الرأي فيما حصل والتحرّك بصدق النوايا كلٌّ من موقعه وشخصه، درءً لطامة كبرى أخشى مع غيري وقوعَها، مع تناقص أعدادنا يومًا بعد آخر. 

قد لا يُحمّلُ الفردُ من البشر الضعيف أكثر من طاقته، مهما عظمَ ودافعَ وحاججَ. فالقرار بالانسحاب، بحسب بيان البطريركية الكلدانية المنشور على موقعها الرسميّ، يحملُ الكثير من التجنّي عبر أداة غير مقبولة لفرض الرأي وإملاءِ واقعٍ غير معهود، نَشَرَ الأسى والانزعاج في نفوس الطيبين الحريصين على ما بقي من أتباع كنيسة العراق المتألمة. حيث جزءٌ من هذا الألم الذي يعتصر القلوب والنفوس قادمٌ، بل سببُه عثرات كنسية كارثية ناشئة من رجالات الكنيسة بمختلف درجاتهم. لستُ أتجنّى على أحد. فهذا واقعٌ لا يُنكر وحقيقةٌ لا يمكن تغطيتٌها بغربال المجاملة والنفاق والرياء والسكوت عن الأخطاء التي تتراكم مع تقادم الزمن. فالقرار رأى فيه المنصفون، انفرادًا استعلائيًا من جانب رئاسة الكنيسة الكلدانية ومَن يقف وراء مثل هذه التطلّعات والضغوط والأفكار التي لا تقلّ في بثّها عمّا هو جار بين الكتل السياسية من شحن طائفيّ بموجب لزوم سيادة الأكثرية على الأقلية في هذا الزمن التعس الذي جفّت فيه المحبة الصادقة والإيثار والتواضع، حيث "عظيمُ القوم خادمُهم"(متى 26:20)، والساعي إلى الجلوس في رأس المتّكأ بحثًا عن كرامات، لا يمكن أن يُحسب من أتباع يسوع الذي يوصي الإنسان العاقل المؤمن ب "الاتضاع كي يرتفع." (لوقا 14:11). ما سردتُه ليس وعظًا، بل هو جزءٌ من موجبات تطبيقاتنا لكلام صاحب وصية المحبة والتواضع والطريق والحق والحياة.

هناك سياقات وخطوات وتفاهمات، لا أعتقد بخروجها عن حقيقة مَن يجدرُ أن يكون الأحقَ والأكثر ملاءمة واستحقاقًا لتمثيل الجماعة المسيحية في هذا البلد. وهذا الأمر تعكسُه حقيقة الشخص الأكثر كفاءة وجدارة وتفوّقًا، بل الأكثر كارزميةً وموهبةً واستعدادًا من غيره للعمل والتعبير والمحاجة. وفي هذا لا أرى شخصيًا في غير شخصية صاحب الطلب، أي غبطة البطريرك ساكو، لتمثيل كنيسة المسيح أمام السلطات والعالم. ولكن الاعتراض قائم لكون الطلب جاء بصيغة الفرض والإملاء على سائر الأشقاء المتفقين والمتوافقين على منهاج المجلس المُقَرِّ، بالرغم من الثغرات العديدة القائمة في نظام هذا المجلس. 

نحن لا نقف بالضدّ من ضرورة إعادة هيكلة مجلس الطوائف المسيحية، أو بالأحرى "مجلس الكنائس العراقية"، بسبب ما تشكله لفظة الطائفة من قرفٍ واشمئزاز ورفض وطني، لأنها أصل البلاء فيما حصل للبلاد والعباد. بل من الضرورة إعادة هيكلتِه بطريقة أصولية وقانونية كي يكتسب الصفة الرسمية التي يحتاجُها في مؤسسات الدولة العراقية، لاعتماده في المخاطبات الرسمية والحكومية في الداخل والخارج. وهذا ما سيمنحه هيبة وقوة وفاعليةً، لها فعلُها عندما تكون جميع الكنائس مجتمعة على قول واحد وفعل واحد وقرار واحد لعموم الجماعة. فالغاية فيه والهدف، إنما اصطفافُ المكوّن المسيحي، أو ما تبقى من آثاره، حول "خطاب سياسيّ ودينيّ مسكونيّ موحّد ومستقلّ". 

عمومًا، أنا لم ولا أرى انحرافًا في مسيرة ما سُمّي بمجلس رؤساء الطوائف المسيحية بالعراق، من حيث الهدف من إنشائه في ظروف استثنائية تطلبتها المرحلة. فبالرغم من هشاشة مرحلة التأسيس وغياب الفعل الحقيقي المرجو منه طيلة هذه السنوات وضعف الأنشطة التي تولاها، إلاّ أنه كان علامة رجاء للمّ الصف المسيحي والتقريب في وجهات النظر بين المختلفين حول طبيعة إدارته التي بقيت مثار جدالات وخصومة، إن كانت معلنة أم غير مرئية. في اعتقادي، أنّ هذا المجلس، كان ينبغي له أن يُصار إلى تسجيله كجمعية أو منظمة مستقلّة بموجب لوائح تسجيل المنظمات غير الحكومية التي تعتمدها الدولة العراقية من أجل أن يكون أكثر فعالية وأشدّ تأثيرًا في المشهد السياسي والوسط المسيحي، على السواء. كما أنّ هذه الخطوة الرسمية كانت ستجعلُه جهة وطنية مسيحية رسمية موحدة أمام الحكومة العراقية والدول والمنظمات الدولية، الرسمية منها والشعبية والإنسانية، لاسيّما لو تمّ تطعيمُ هيئته العامة، بعقلاء من مدنيين وأكاديميين وعلمانيين مشهودٍ لهم بمواقف حيادية مستقلّة لا تخضع لقياسات الأحزاب الطائفية ومغرياتها المادية، التي تدمّر كلّ مشروع وطنيّ مستقلّ لصالح الشعب. وهذا ما كنّا نتأملُه لاحقًا، من وراء تواصل نشاط لجنة التنسيق المشكلة ضمن مبادرة البطريرك لويس ساكو، والمختارة في أول لقاء لهيئة الرأي المجتمعة لمشروع تشكيل المرجعية المسيحية المستقلة بموجب تلك المبادرة حينها. 

 

ظاهرُ المشكلة وباطنُها رئاسة

إن المشكلة وما فيها باختصار، صراع زعامات وخلاف على رئاسات. أنا لستُ مع المنظّرين أو الداعمين لفكرة أحقية أو أسبقية أو أولوية صعود ممثل أو رئيس الأغلبية العددية في كنائس البلد إلى موقع الصدارة والرئاسة، او المطالبة به جهرًا. فالدول الصغيرة والكبيرة لها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وفي مؤسساتها الدولية نفس الحقوق في التصويت والانتخاب والرئاسة. وكذا هي الحال في المنظمات الدولية والتحالفات، إلا فيما هو خلاف السياق الديمقراطيّ المعهود. وما حصل بشأن مجلس رؤساء الطوائف كان خارج السياقات المعتادة في النهج الديمقراطيّ والكنسيّ، طالما أنَّ الجميع أبناءُ الله، يعملون لخدمة المذبح ولصالح الشعب والوطن على السواء، وليس لفئة معينة أو شريحة مستقطعة من كنيسة العراق. فالبطريرك ساكو نفسُه، قالها مرارًا وصرّح بها، أنه منفتح على الكلّ ويتعاون مع الكلّ ويعمل لصالح الكلّ من دون تمييز في الطائفة والمنطقة. لكنّ مثل هذا التوجّه الغريب بعض الشيء، في طلب الزعامة غير مقبول ولا يليق بمقام صاحب الطلب، إنْ كان صادرًا من غبطته شخصيًا، أو عن قلايته الإعلامية والاستشارية التي تفتقر إلى المرونة وتقدير الأمور والكياسة. فما صدر في البيان الرسمي، هو في كلّ الأحوال، مطالبةٌ لا تعبّر عن روح الانفتاح في الطوية والبساطة في العمل الرسولي، والتواضع المطلوب في شخص الراعي الصالح، واللياقة في الوسط الكنسيّ التي عُرف بها غبطتُه، من كاريزما معهودة أعرفها شخصيًا عنه عن قرب، كما يعرفُها غيري، وهم كثيرون. فما يجعل الشخص يتفوّق في الفعل والعمل، ينعكس من خلال النشاط والكفاءة وحسن الأداء وبعد النظر والرؤية السديدة إلى الأشياء والحياة، للمسؤول عن الرعايا، سواءً على الصعيد الداخلي او الدولي أو الإقليمي، وليس بفرض الرأي وليّ الذراع، كما يقول المثل "ألعب، أو أخرّب الملعب". وكان يمكن للإخوة المجتمعين، بعد فرز الأنشطة وتحكيم العقل وطلب عون الروح القدس وصلاة المؤمنين وتوفر النيات الصافية والرؤية المسيحية الثاقبة، أن يروا في شخص البطريرك ساكو، ما يعزّي ويمنح الثقة له دون غيره، نظرًا للكاريزما التي يتحلّى بها ولجهوده الشخصية ومثابرته في حثّ الدول والمنظمات على وعي دورها في إنصاف المظلومين والمهمّشين والنازحين ومَن اقترف بحقهم جرائم وصلت لحد الإبادة الجماعية. فهو أشدّهم قربًا من الزعامات الروحية والرئاسات الدنيوية والقيادات الحزبية في الوطن، وأكثرُهم قربًا من صنّاع القرار والساسة والأحزاب، بسبب كلمته المسموعة وسمعته المحترمة وإجادته للحوار مع المقابل في التعبير والإقناع والحجّة. ومَنْ يُنكر عليه دوره ومثابرته في تعزيز اللحمة الوطنية والتقريب في وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين؟ وكذا دورُه المرتقب بإمكانية تولّي مبادرة مشروع المصالحة المجتمعية وتعزيز الحوار بين الأديان والشعوب؟ وفي انتقاده البارع لزعماء الدول والأحزاب في الداخل والخارج؟ وكلّ هذا وذاك، سعيًا منه وراء تعديل مناهج هذه الجهات غير الرصينة وتغيير سياساتها غير الأمينة، التي لم ينل من ورائها الشعبُ العراقي وشعوب المنطقة سوى الدمار والخراب والتراجع في كلّ شيء.

لستُ هنا فقط أنتقد ما بدر من موقف صادم وغير رصين من جانب رئاسة البطريركية الكلدانية بالانسحاب من مجلس رؤساء الطوائف بهذه الطريقة التي فاجأتني، كما صدمت الكثيرين من المتابعين لأوضاع كنيسة العراق ومصالح الشعب، ممّن يستبعدون ويمقتون ما هو قائم من أطماع ونوايا لأحزاب قائمة على الساحة السياسية، ومنها الأحزاب المسيحية ذاتُها وزعماؤها ونوابها من التابعين في مجملهم والخاضعين لأجندات غيرهم، إلاّ ما ندر. فقد كان الأجدر بغبطته، كراعٍ صالحٍ لكنيسة وطائفة يعدّها كبيرة عدديًا، المشاركة في الاجتماع الأخير والمصارحة والمكاشفة علنًا، عوض اتخاذ موقف مسبق، تمّ الهمس به في الأروقة واللقاءات منذ فترة ليست بالقصيرة، وأنا شخصيًا على اطلاع بالنية. وكنتُ قد عبّرتُ مع عقلاء آخرين، باعتراضنا على سلوك مثل هذا الطريق الشائك المشكّك، من دون رتوش ولا مجاملة. هذا في ذات الوقت الذي أؤيد ما تمّ طرحه من إعادة النظر في النظام الداخلي للمجلس المذكور وفي التسمية كي تتجانس مع العمل والنشاط والهدف الوطني والروحي معًا.

وبذا، كان يمكن تفادي مثل هذا الانشقاق الذي أقلُّ ما يمكن القول فيه وإشاعتُه، أن رأس الكنيسة الكلدانية بشخص بطريركها الجليل الثاقب البصر وصاحب الرؤية الوطنية والداعي في كلّ تصريحاته ولقاءاته إلى تشكيل دولة مدنية متحضرة تدعم السلم الأهلي وتساوي بين مواطنيها، قد اختارت بشخصه الوقتَ المناسب لاغتصاب رئاسة الكنيسة في العراق بهذه الطريقة، بالرغم من كونه أهلاً لها من دون منافس، للصفات التي أوضحناها في أعلاه. فالأقاويل كثرت والهمسات فاحت رائحتُها من أنّ الكنيسة الكلدانية، بعد تشكيلها للرابطة الكلدانية وزجّ كل طاقاتها وإمكانياتها الإعلامية والشخصية سائرة في تكوّشها وسطوتها على ما يردُ للمسيحيين من مساعدات وأموال ودعم معنوي ومادّي، بسبب سمعة رئيسها الطيبة وعلاقاته الواسعة وتأثيره في الأوساط الكثيرة أكثر من غيره من رؤساء الكنائس. فهذا ما شاع ويُقالُ بين الناس في هذه الأيام، بسبب من شخصية رأس الكنيسة الكلدانية، التي خدمتها الأحداث لتتفوّق على غيرها من رؤساء الطوائف (عفوًا الكنائس الأخرى)، بفعل السمعة الكبيرة التي نالها محليًا ودوليًا، والهالة التي أحاطت بشخصيته الكاريزماتية التي لا تُنكر. أمّا أنا فقد عرفتُه، إنسانًا منفتحًا على الجميع ويعمل مع الجميع ولأجل الوطن وأهله، تمامًا. كما أننا نتشارك أفكارًا كثيرة تصبّ في مصلحة الوطن والأمة المسيحية وكنيسة العراق، إلى جانب وقوفنا الصارم بوجه الانتهازيين حتى لو كانوا من أبناء شعبنا من الخانعين لأجندات الغير. 

 

مجرّد رأي على طريق الصواب

لستُ هنا بصدد تقريب وجهات النظر. فمَن أنا إلاّ عبدٌ ضعيفٌ أكتب ما يملي عليّ ضميري وأنشر ما يحتّم عليّ كمواطن عراقيّ أصيل لا أرضى بالظلم لأحد، ولا أجاملُ على حساب الحق، ولا أقبل ظلمًا عليّ من أحد. فمثل هذا الكلام، قد يقوّض العلاقة بيني وبين غبطته أو أتباعه ومؤيديه. ولكنّي مقتنع في قرارة نفسي، أن غبطتَه سيولي ما ورد في هذه الأسطر البنوية الصادقة، ما يليق بها من همّة وحيادية ورويّة خبرتُها عنه وتعلمتُها منه. فالمكاشفة بيننا قائمة، ورأيُه فيما أكتب وأنشر مقبول بل أضعه فوق رأسي وبين مقلتيّ. فكلانا تشرّبنا من معين رفيع واحد، وتعلّمنا على أيدي أفضل المعلّمين والمرشدين والروحيين، وتثقفنا عبر رجال ونساء عشنا وتعايشنا معًا بروح الأخوّة والاحترام خلال فترة دراستنا في معهد مار يوحنا الحبيب في سنوات الخير والمحبة والاحترام وأدمنا العلاقة الودّية الصريحة حتى هذا اليوم

وهذه مناسبة للعودة للفكرة الأساس الأخرى التي تعثّرت بسبب الشرخ الجديد بين رؤساء الجماعات المسيحية في عراقنا الجريح، والمتمثلة بالسعي لتشكيل مرجعية مسيحية مستقلّة. قلتُ في هذا الصدد، في مقالات وطنية سابقة، أنَّ قيام مرجعيات دينية ومذهبية جامعة في هذا الوقت الحرج من تاريخ العراق المتضعضع وغير المستقرّ، سيخلق نوعًا من وضوح الرؤية باتجاه تقييم الأوضاع وتعديل نهج المسيرة الوطنية، عندما تنصهر الأفكار وتتوحد الإرادات في خطاب موحّد بدل التشظّي وهدر الوقت والجهد وفقدان الثقة بين الشركاء، سواءً في الوطن الواحد أو فيما تتطلبه خصوصيات كل دين أو مذهب أو كنيسة. وبخصوص ما يتعلق بمرجعية كنسية، فهذا كان ومازال الأملَ الأخير، لما تبقى من مسيحيين في هذا البلد التائه بسبب الضياع في الهوية والوطنية والشخصية. في حينها، لم تخرج ورقة العمل التي كان أعدّها غبطة البطريرك لويس ساكو عن هذه الفكرة في مبادرته الطيبة. لكنّ انصباب اهتمام رئاسة الكنيسة الكلدانية في تلك الظروف على تأسيس الرابطة الكلدانية والتسريع بانتشارها والتعريف بها محليًا ودوليًا بتلك الموجة العارمة بسبب ما لقيته من ضغوط من جانب اللوبيات الكلدانية في بلدان الاغتراب ومن أفرادٍ شعروا بالغيرة من غرمائهم وأندادهم القوميين في "الكنيسة المشرقية الآثورية"، قد قلب المشروع وزاغه عن السكّة الجامعة بحججٍ تبقى طيَّ الكتمان لحين إماطة اللثام عن خفاياها وخباياها.

 عمومًا، فقد توسم العراقيون خيرًا بطرح فكرة توحيد المرجعيات في العراق، دينية كانت او سياسية. فالسياسيون من أتباع المرجعية الشيعية كادوا أن يقتربوا من مشروعهم الخاص كي يتهيؤوا لمحاورة أندادهم من مكوّنات تنتمي لمراجع أخرى. تمامًا، كما تبشّر المسيحيون خيرًا بحصول تقارب في لقاءات أربيل نهاية العام المنصرم، بهدف إحياء مشروع المرجعية السياسية الذي ابتدأ مشوارُه قبل أكثر من عام ونصف في أولى خطواته من بغداد، بمبادرة من رأس الكنيسة الكلدانية التي تُعدّ ذات الأغلبية بين شقيقاتها. وما يُفرح اليوم، وجود توجّه من جانب المكوّن الإيزيدي بمرجعيته الروحية الموحدة، للتقارب مع المكوّن المسيحي ومن مرجعيات كنائسه، سعيًا من أجل مزيد من توحيد الكلمة والرؤية والمنهج في الوطن الواحد والمصير الواحد، لاعتبارات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، سلميّة المكوّنين وتعرّضهما لإبادة جماعية وتهميشٍ وإقصاء ملحوظين على تعاقب الحكومات، والرغبة لدى كلاهما بالعيش بسلام وأمان وعدالة ومساواة، كمواطنين متساوين مثل سائر المكوّنات الأخرى المهيمنة على مقدّرات الدولة وسياستها ومنهجها. 

قد يكون العراق، من أكثر البلدان في المنطقة، لم تتوافق فيه الإرادات الدينية والسياسية لتشكيل مرجعيات موحدة لكلٍّ منها لغاية الساعة. فراعي العملية السياسية في العراق والمنطقة، منذ التخطيط لإحداث زلزالٍ عظيم ينسجم ويتوافق مع مصالحه القومية ويتفق مع مخططات اللوبي الدولي الذي يحرّكه، كشّرَ عن أنيابه مرارًا، في السرّ والعلن، من أجل تفتيت ما تبقى من وحدة هذا البلد والمنطقة. فقد رأى فيه أرضيةً خصبة وحاضنة جيدة لمثل هذا التفتيت والتشرذم عبر إحداث صراعٍ في الإرادات والزعامات، المدنية منها والدينية. وشعبنا المسيحي كان طبعًا، ضمن هذا المخطَّط العدواني، بجعله يقع ضحيةً، وسط صراعات لم يكن له فيها لا ناقة ولا جمل. فقد أعطى مَنْ لا يملكُ (الغازي الأمريكي) مَنْ ولاّهم على البلاد (الساسة الجدد)، الجملَ بما حمل، عندما سمح لأشخاصٍ أغرابٍ عنه من مزدوجي الجنسية وغير المشهود لهم بالانتماء الصادق للوطن منهم، كي يصولوا ويجولوا تحت رعاية أميركية وأخرى أوربية تدين للأولى بالطاعة والانحناءة، مهما كان الثمن الذي يمسّ شرف ومصير وممتلكات شرائح مسالمة من الشعب العراقي البسيط الذي كان جلُّ همِه أن يضمن له ولأجياله مستقبلاً آمناً وحياة آدمية هانئة، بعيدًا عن إرادات الأشرار القادمين من خلف الحدود للنهب والسلب والسرقة والقتل والاغتصاب من دون محاسبة ولا رقابة ولا نهي عن المنكر الحاصل على نطاق واسع.  

 

دور الغازي الأمريكي في شقّ الصفوف

في ضوء الواقع المرير لعموم البلاد، كانت كنيسة العراق في المرمى. فالراعي الأمريكي الغادر، الذي سار وفق مخططاته بخطى خبيثة وحثيثة، كان قد وضع بالتأكيد مصير أبناء المكوّنات الصغيرة الأصيلة المتجذّرة في الهوية العراقية في الحسبان، ومنهم بطبيعة الحال المسيحيون والإيزيديون والصابئيون وما سواهم من أقوام أخرى ظلّت تحت مطارق حكومات ظالمة متعاقبة في عهود الاحتلال السابقة وما بعد تشكيل الدولة العراقية، لغاية الغزو الكافر لهذا البلد في 2003 بحجج واهية. وقد اعترف الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب دونالد ترامب مؤخرًا، من أنّ أسوا ما شهدته أميركا في العصر هو غزوُها للعراق من دون وجه حقّ.

 بعد الغزو الأمريكي مثار الجدال للبلاد، كان لا بدّ للرؤساء الروحيين القائمين على رأس الجماعات المسيحية في البلاد، من تسجيل وقفة صارخة لجماعاتهم بوجه الظلم والتهميش والإقصاء والإهمال. وبموجب النفور القائم أصلاً بين كنائس العراق المتعددة وما بينها من حساسيات، كانت هناك مبادرات لرتق الممزّق التقليدي ورأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين العقلاء من أبناء الجماعة مع رجال الكنائس. فتعشّم المسيحيون على اختلاف انتماءاتهم الكنسية حينها خيرًا، بتشكيل مجلس رؤساء الطوائف في 2010. إلاّ أنَّ ما يُؤسف له، فقدانُه لرؤية بعيدة وقرارات مؤثرة إلاّ ما ندر، وفقط حين كانت تشتدّ وطأةُ المآسي ليخرج هذا المجلس ببيان ضبابيّ غير فعّال بسبب فقدانه للصفة الرسمية وافتقاره لوحدة الكلمة والصف خارج نطاقه. وكاد نشاطُه يقتصرُ على لقاءات تقليدية باردة وتبادل التهاني والزيارات في مناسبات ولقاءات للصلاة المظهرية، مثل أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين الذي يفتقر إلى النية الطيبة والإرادة الحسنة لجمع المؤمنين حول كلمة واحدة وراعٍ واحد، كما أرادها الربّ " احفظهم في اسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحدا كما نحن" (يوحنا 17: 11). ففي هذه المناسبة التقليدية التي تقترب منّا هذه الأيام، اعتاد الحضور ترديدَ ذات الأمنية في شفاههم، وسماع ذات الدعوة الملحة إلى وحدة الكلمة ورصّ الصفوف. لكنها بقيت وتبقى كلمات ترددها الشفاه وترفضها القلوب والنفوس المريضة. فما زلنا بعيدين عن تحقيق هذه الأمنية، وأبسطُها توحيد الأعياد الرئيسة.   

سأظلّ أناشد الرئاسات الكنسية في العراق، كي تضع المصلحة العليا للشعب العراقي عامة والمسيحي بخاصة، في بؤبؤ وحدقات عيونهم وعلى رأس أولوياتهم. أمّا المناصب والزعامات، فهي للاهثين وراء السراب الذي يزول والجاه الذي يؤول والمال لا يدوم. وكفانا نفاقًا وضحكًا على الشعب وتلاعبًا بمصيره، وأعدادُنا وحضورُنا في تناقص وزوال، وكنائسنا تُحرق وتفرغ، وبلداتُنا تُدمّر، ومنازلُنا تُنهب وتخرّب، وأهلُنا يتوزعون في دول الشتات لتختفي كلّ حضارتنا ويزول تراثُنا وننسى أسلافنا. 

عذرًا، لم أقصد جرح أحد، بل تضميد ما هو قائم من جراح. فأنا الضعيف دومًا، لكوني أحب وطني وأعتزّ برئاسات كنائس بلدي وأفتخر بلقائهم وطلعاتهم البهية، تمامًا كما أعشق كنيستي العراقية المشرقية السريانية!

 

 

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.41971
Total : 101