منذ أن وطأت اقدام اصحاب جیوب الدشداشات السلفیة القصیرة ، المملوءة بدولارات البترول -اراضي مالیزیا- زادت الضغوط و زاد الإستبداد بحق الأقلیات الدینیة و المذهبیة
في هذا البلد الملکي المسلم .
دولُ الخلیج -العربیة- تسیطر علی مفاصلِ اقتصادْ مالیزیا .
السعودیة ، الامارات ، قطر ابرز المستثمرین و اکثرهم انفاقا ، لذا لابدَّ من الرضوخ .
هکذا یُفسَّر تعاطي السلطات المالیزیة -القسري- مع حریة العقیدة و التعبیر .
و لأنَّ الحرکة الوهابیة تسیر بخطیً قویة و سریعة نحو سیطرة شاملة علی مقالید الحکم في مالیزیا ، و لأنَّ التعایش مع الفکر الآخر لیس في قاموس ادبیات هذا التیار، بل التکفیر هو المنهج ، فمن الطبیعي أن یکون الشیعة هدفاً اولاً للإقصاء قبل غیرهم ، خاصة و أنَّ تهمة ارتباطهم بایران الشیعیة جاهزة، سواء صحََت التهمة أم لم تصح.
لذا اقول و انا علی قناعة تامَّة تستندُ الى معلوماتٍ موثقة انَّ ملف الحریات الفردیة و المذهبیة في مالیزیا ، ملفٌ مسیَّسٌ حتی النخاع ، دخلت الطائفیة فیه طولاً و عرضا . الشیعة في هذا البلد، لیسوا صناعةً ایرانیةً دخلت السوق بطرقٍ غیر شرعیة ، بل وُجدوا قبل ان تستقل مالیزیا بعقود و قرون . إنَّها الحقیقة !.
کلُّ ما في الأمر ، انَّ القدر جَمَعَهم بایران مذهبیاً ، و باقي الکلام ، من نسج الخیال !.
فهل مِنْ المعقول ان دولةٍ کبری تُتقن السیاسة و دهالیزها کایران، تغُامر بتحریض اقلیةٍ ، لاتشکِّل إلّا 1 بالألف من نفوس بلدٍ کبیرٍ آخر بمستوی مالیزیا، علی حساب سمعتها و علاقاتها الدبلوماسیة ، وحتّی مصالحها الإقتصادیة ؟
هل یُعقل فعلاً ؟!.
المستشار الثقافي الإيراني
في کوالالامبور ، لایتردد في القول و هو في موقع المسؤولية:
"انَّ المصالح الإقتصادیة ، دفعت السلطات المالیزیة لکسب ود الریاض بشدِّ الخناق علی الشیعة من جهة ، و غضِّ النظر بل دعم نشاط التیارات التکفیریة من جهة ثانیة" .
لاخلاف علی ان دور بعض الدول العربیة ذات النهج الوهابي ، کبیر جداً علی القرار المالیزي ، بفرض القیود علی الشیعة رغم قلتهم ، حيث لا يزيد عددهم عن الثلاثین الفاً حسب معظم التقدیرات .
وللأسف حتّی السیاسيّ المحنَّك مهاتير محمد ، مهندس مالیزیا الحدیثة، لم یخرج من دائرة الطائفیة الضیِّقة ، برفعه رایة التحریض و الکراهیة ضد هذه الأقلیة .
في 2013 ، ولأكثر من مرة اعتبر وجودهم خطراً حقیقیاً علی السُّنة و علی النسیج الإجتماعي برمَّته ، قبل ان یغیِّر موقفه قبل أشهر عندما اعتبر الشیعة مسلمین، حالهم حال الآخرین، داعیاً الی تجنب الخلافات الطائفیة، المثیرة للصراعات و الحروب .
و مع هذا ، المناخ العام في ماليزيا مازالت سمته استعداء الشیعة . والسؤال المطروح ؛ هل التصعید غیر المسبوق هذا ضد الشيعة في ماليزيا خلال الأعوام الثلاث الماضیة ، یتناسب مع حجمهم و ممارساتهم ؟.
احد ابرز المشایخ في مالیزیا،
و هو مسؤول احدی الحوزات الشیعیة -الأربعة- في کوالالامپور ، لایری ذلك بتاتاً ، ويوجز قصة ابناء مذهبه بإلقول: "نحن في مالیزیا ننقسم الی قسمین . قسمٌ یظهر تشیعه علناً و یواجه السلطات فیعرِّض نفسه للإعتقال ، و قسمٌ آخر یعمل بالتقیة فیخفي مذهبه و یُبعد نفسه عن المشاکل" مضیفاً: "أمّا نحن، فأسَّسنا الحوزة قبل عشر سنوات و یرتادها المئات اسبوعیا لغرض تلقي دروس الفقه و الأخلاق و العقیدة للسید القائد (الخامنئي) و تشمل الرجال و النساء و الأطفال ، کما نقیم الاحتفالات و مراسیم العزاء الدینیة و المذهبیة ، لکنَّنا لا ندعو في حوزاتنا الی نشر المذهب ، و دروسنا مخصَّصةٌ للشیعة فقط. لذا الحکومة تعلم بنشاطنا ، وهي لاتتخذُ اجراءاً لأننا نلتزم بقوانین البلد" .
و عن صحة ما اُشیع حول قرار السلطات المالیزیة بهدم الحسینیات و ترحیل الشیعة الی اوطانهم الأصلیة اجابني مطالباً عدم ذکر اسمه : "الظلم بحق الشیعة یُمارَس عندنا منذ سنوات، هذا صحیح ، و قد سعی المتطرفون الوهابیون المتغلغلون في الحکومة و المعارضة على حد سواء لتنفیذ تهدیداتهم ، و قد حاولوا عبر القضاء ، إلّا أننا کسبنا القضیة . حتّی الآن لم تُسجَّل عملیة هدم مرکز او ترحيل الی البلدان الأصلیة" .
و هي باکستان و بنغلادش و الهند و افغانستان .
و لعل الصراع بین اقلیة قلیلة
و اکثریة تتحکم بالبلد ، زاد في السنوات الأخیرة ، علی خلفیة نشاط ثلاثینَ حسینیة و حوزة للشیعة ، انتشرت في عموم مالیزیا ، ابرزها ، تلك التي تقع في العاصمة (حوزة الأمام الرضا و حوزة امُّ أبیها و حوزة امیر المؤمنین و حسینیة الحجَّة) ، لکنها لاتعمل جهراً ، و لایرتادها سوی الفین الی ثلاثةِ الافٍ کحد اقصی .
فما هو محل الخطر، علی حیاة 33 ملیون شخص -نفوس مالیزیا- مِنَ الِإعراب ؟!.
و يبقى الامر المثیر في هذا البلد المسلم انه ورغم کل التطور العلمي و الطفرة التکنولوجیة اللافتة ، التي رافقت مسیرة المالیزیین خلال العقود المنصرمة ، الا ان التخلف مازال يمثل عنواناً عریضاً لملفهم في حقوق الانسان ، حتّی و ان شمل جزءاً بسیطاً من المجتمع . بينما البوذيون و الهندوس یعبدون الأوثان و البقر بحریة تامة .
و کي لا اظلم مجتمعاً بکامله ،
و بما انني وجَّهت اصبع الإتهام لسلطةٍ جائرةٍ بحقِّ طائفة من شعبها ، فلابد من الإشارة ایضاً، أنَّ غالبیة المسلمین في مالیزیا، من أبناء المذهب الشافعي ، المحبّین لأهل بیت رسول الله .
مقالات اخرى للكاتب