كلنا نتفق على أن العراق، يعاني من أزمات كثيرة، جراء السياسات الخاطئة، التي إتبعتها الحكومات السابقة المتعاقبة، بل إن العراق، ومنذ سقوط المقبور صدام، إفتقد للنظام الحكومي، نظاما" يمتلك رؤية مستقبلية، لكافة مجالات الحياة، وهنا دلالة كبيرة ،على حجم الفوضى التي خضع لها بلدنا، وجاء ذلك وفقا" لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، وبمعونة ما يسمى بالأمم المتحدة، ومؤسساتها الفرعية الأخرى، كصندوق النقد الدولي، ومنظمة حقوق الإنسان.
ونتيجة تفشي الفساد المالي والأداري، في أغلبية مؤسسات الدولة، بالإضافة لحرب الإرهاب الإستنزافية، لمواردنا البشرية والطبيعية، ساهمت تلك الظروف مجتمعة، على فقدان العراق، لثرواته المالية الكبيرة، والتي تعتمد في عمومها، على الإنتاج النفطي وتصديره، بل وصل الحال، إلى إنكماش الرصيد المالي الإحتياطي، للبنك المركزي العراقي، وهو ناقوس خطر كبير، يهدد منظومة الدولة بالكامل.
من خلال هذا المشهد، يبدو إن هنالك قوة خفية، تعمد إلى ترويض العراق، سياسيا" وإقتصاديا"، ليكون فريسة سهلة، للوحش العالمي الجديد، وهو العولمة الليبرالية القصوى، فهذه العولمة تعمد، إلى إفراغ منظومة الدولة من محتوها، عبر ضغط المؤسسات الأممية، كالبنك الدولي، صندوق النقد، وكذلك منظمة التجارة العالمية، ويكون ذلك عبر بوابة، الديون المشروطة سياسيا" وماليا" لحاجة البلد إليها.
يقول المفكر الفرنسي اينياسيورامونيه: في كتابه حروب القرن 211 (أن أهم نتائج العولمة، فقدان الناس للعيش معا"، وتلغي الشأن العام، وتباعد الهوة بين الطبقات)، وبالعودة للألية المتبعة، من قبل دول الإستكبار، للوصول لتلك الغايات الخبيثة، هو إرغام الحكومات المستدينة، إلى خصخصة قطاعات الدولة، أو ما يسمى بالقطاع العام، لصالح الشركات العالمية الكبرى، (Westinghouse)(siemens).
إن الخضوع لنظام العولمة، هو عملية إستعمار حديثة، يراد منها، نهب ثروات البلد، وتفكيك المنظومة المجتمعية، ودليل ذلك، إن صندوق النقد الدولي، في قرضه الأخير، للحكومة العراقية، إشترط أكثر من عشرين شرط، كرفع الدعم عن البطاقة التموبنة، وخصخصة قطاع الكهرباء، وتقليل الدعم لمجالات حيوية كثيرة، كالصحة والتعليم، ورفع منسوب الضرائب، على أغلبية قطاعات الدولة، وهو تمهيد للخصخصة المميتة.
إن الأرجنتين مرت بظروف، شبيهة بظروف العراق، في تسعينيات القرن الماضي، ولجأت لصندوق النقد الدولي، وخلال ثلاثة أعوام، من تعاملها مع تلك المؤسسة الأممية، إرتفعت مديونيتها، من 8مليار دولار إلى 120 مليار، لذا فأن حكومة العرق، ملزمة بالتفكير، بعدم الخضوع لتلك السياسات الإبتزازية، والإعتماد بالتحول للشركات المساهمة، لتبقي على إرادة الدولة، وتنشيط قطاع الإستثمار، عبر خطط ستراتيجية مدروسة.
مقالات اخرى للكاتب