بحكم الواقع المجتمعي، فإن من المستحيل أن يحكم «الإخوان المسلمون» العراق. ولما كان مشروع هؤلاء يتعدى مفهوم الشراكة في الحكم وفق أسس ديمقراطية متحضرة، فإنهم عملوا على استغلال الفرص سعيا إلى حكم جزء من العراق، وهذا غير قابل للتحقق في ظل عراق موحد متماسك وقوي. ومع تطور مرحلة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت قبل نحو سنتين، وهيأت الأجواء لدخول «الدواعش»، بصرف النظر عن مستوى القصد وحدوده، بدأ بقايا «الإخوان» بتصعيد الموقف الشعبي تحت واجهات دينية وعشائرية، وأغفلت الحكومة المركزية خطورة غلق المساجد خلال صلاة الجمعة لدفع الناس إلى ساحات الاعتصام، التي كان ممكنا أن تؤدي إلى نتائج إيجابية لو تصدرت الموجة شخصيات وطنية بلباس علماني.
وربما لم تأت شهادة فاصلة عن علاقة «القاعدة» بـ«الإخوان» كشهادة الظواهري، التي قال فيها إن أسامة بن لادن كان من «الإخوان المسلمين»، فلم يقتصر الانتساب عليه شخصيا، وهذا يعني أن فكر «الإخوان» كان مصدر تكوين وإلهام لـ«القاعدة». ولما كان «داعش» هو الوريث الفعلي لـ«القاعدة»، فلم يعد مجال للشك والنقاش بخصوص الربط والهوية، ومن تختلف رؤيته من بقايا «الإخوان» عن هذا، فعليه البراءة أولا من الانتماء، وأن يعمل بموجب البراءة فعلا، قبل أن تتاح له فرصة المشاركة في حياة تبنى وفق مفاهيم التطور الحضري والإنساني.
من الغريب والمثير أن يشارك شكل من أشكال فكر «الإخوان» بعملية اجتثاث حزب البعث، وهم أكثر خطورة على المدى البعيد من أفكار البعث، فالبعثيون مثلا - ورغم كل مرارات فترة حكمهم - لم يؤمنوا بتفكيك العراق إلى كيانات تأخذ تسميات مفبركة، تبقى مؤدياتها تفكيكية تقسيمية انفصالية، وظهرت هذه المساعي خلال مرحلة ركوب موجة الاحتجاجات والدفع نحو أقلمة العراق، تحت ذريعة المحافظة على هوية ومصالح عرب سنة العراق، والحقيقة أنهم ساهموا في سحق المناطق شمال بغداد وغربها، التي تغلب عليها صفة سنية، وأضعفوا دور الحكومة المركزية في موضوع المناطق التي سميت بـ«المناطق المتنازع عليها» مع رئاسة إقليم كردستان. ووصلت ببعضهم السذاجة إلى أن يتمسكوا بتحالفهم المرحلي الهزيل مع توجهات رئاسة إقليم كردستان بقولهم: إذا ضاقت بنا الخيارات فمن لنا غير مسعود وإردوغان! ما يدل على رؤية ضيقة، وقلة معرفة، وقصور في فهم الأهداف والمعادلات والمصالح المحلية والإقليمية، ويدل على ولعهم بالباب العالي وحكم السلاطين، ولم يدركوا أن تقاربهم مع رئاسة الإقليم على حساب المركز، الذي يفترض أنه يمثل هويتهم الوطنية - حتى مع وجود تحفظات مؤقتة لا يمكن أن تصمد أمام المتغيرات - يدخل تحت لافتات شديدة الخطورة.
إن ما ساعد بقايا «الإخوان» على الحركة والوجود جاء من الدعم من أقصى الشمال، وكذلك الدعم المؤقت الكردي لأهداف مرحلية، والتحالف مع بعض المناطقيين الطائفيين من حملة هوية الموصل، وبسبب عدم إدراك المخاطر بما يكفي من قبل «التحالف الوطني الشيعي» الذي شغله الهاجس البعثي وقد كان من الضروري عدم الإخلال بالتوازن في المواقف بما يمنع وجود ربط فكري مع «الدواعش». ومما لا شك فيه، فإن «الإخوانجية» عملوا بمهارة لكسب ود إيران من جانب، والتظاهر بأنهم براء من العلاقات الخفية.
ولا شك في أن بقايا «الإخوان المسلمين» في العراق يشكلون خطرا «داعشيا» من طراز آخر، يستهدف وحدة العراق، بتحالفهم مع القوى الانفصالية والمناطقية وذيول الحنين إلى ماضي الحقبة السوداء من الاحتلال العثماني. ومن الخطر التعامل معهم برؤية عاطفية تحت ملتقيات دينية ومذهبية وطائفية وقومية إلى أن يتخلوا عن تحالفاتهم ويغيروا نهجهم، ويقطعوا صلتهم بالرابط بين «الإخوان» و«القاعدة». وبما أن هذه المتغيرات غير قابلة للتحقق، فإنهم سيبقون جزءا من حالة عدم الاستقرار إلى أن يرفض الشباب وجودهم، ويطغى الإعلام الحر على إعلامهم التحريضي، ويسود الفكر الوطني بدل المشاريع المتخلفة. وهذا يحتاج إلى عملية وعي وطني، إذا ما تعذر التعامل معهم كوجود متخلف يربط بالإرهاب في ضوء المعطيات. وحاولت أطراف أن تكون للحكومة في مرحلة ما رؤية محددة حيال هذا الموضوع، إلا أن الرأي الشعبي هو الأقوى تأثيرا، لأنه الكفيل بالتخلص من الخزعبلات رغم الحاجة إلى وقت أطول، ولن يحكموا مترا من العراق.
مقالات اخرى للكاتب