فوجئتْ أمريكا ..فوجئ الحلف الاطلسي.. فوجئتْ أوربا والعالم، كله، ليلة 13 نوفمبر / تشرين الثاني، بالضربة الإرهابية الفاجعة في ستة شرايين ، بقلب باريس، مدينة بيكاسو و بودلير ونهر السين .
وجهت ضربة إلى عاصمة الحرية..
وجهت ضربة إلى مدينة الحب السلام..
وجهت ضربة الى مهد الثورة الفرنسية والديمقراطية والعلمانية وإعلان حقوق الإنسان..
أسئلة كثيرة ،ذات مصاعب كثيرة، تبرز عندما تترى الأسئلة : مَنْ.؟ لماذا..؟ كيف..؟ خاصة إذا ما علمنا أن القائمين بالضربة تدرّبوا على اعتناق وتنفيذ فكرة تشظية أجساد الناس المسالمين، و تقطيع الكائنات البشرية إلى أوصال، من قبل أتباع فئة تعتبر القتل والذبح والإرهاب وعياً دينياً في ممارسات تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بكل مكان. .
ينتقل السؤال الاكبر ،عبر البحار: لماذا لم تدرك مخابرات فرنسا و المخابرات الاوربية و بعض مراكز القوى الامريكية في البيت الابيض والبنتاكَون والكونكَرس والسي آي أي حقيقة تنظيم القاعدة واخواتها وامهاتها وبناتها ( داعش والنصرة وبوكو حرام ومئات غيرها في بلدان العالم) بينما نجد كاتباً امريكياً قد نشر تقريراً عام 2005 في مجلة (يو . أس . نيوز.) عنوانه ( القلوب والعقول والدولارات) جاء فيه، أن جهات عديدة في العالم الغربي ومؤيديه في الشرق العربي ، أنفقوا 75 مليار دولار على نشر الفكر السلفي في العالم الاسلامي خلال الفترة 1975 – 2000 لأنهم كانوا يعتقدون ان هذا الفكر يخدم اهدافهم في محاربة ( الشيوعية ) والقضاء على التيارات اليسارية المناوئة لوحشية النظام الرأسمالي وعملائه في الأنظمة الدكتاتورية.
لكن حين وقعت صاعقة 11 سبتمبر في نيويورك وصاعقة ليلة الجمعة 13 نوفمبر بباريس وما بينهما من صواعق وجدت مقتلاً في صميم العواصم الرأسمالية في لندن ومدريد وباريس ونيويورك ،أدركوا جميعهم، الآن، أن داعش اصبح تنظيماً عالمياً يحمل فكراً دموياً منحرفاً عنيفاً ضد الإنسانية جمعاء..
تغافلوا في البداية عن حقيقة أن تنظيم القاعدة وأفراخه من امثال داعش ظاهرة فكرية – سياسية ليست عابرة وليست عصابة مأجورة فحسب، بل هي السلالة العصرية للفكر الوهابي المتطرف ولجميع تراث الغلو والتطرف في تاريخ الفكر الاسلامي وفرقه السخيمة بالعنف الأسود، المرتبطة بالتدخلات الامريكية في العالم العربي والاسلامي ورعاية هذه التنظيمات منذ نشأتها مثل القاعدة، أو تغض الطرف عنها حتى تقوى ،كما حدث مع داعش.
تمّ اعلان دولة الخلافة الاسلامية في 29 حزيران 2014 من قبل ابو بكر البغدادي كوريث للوهابية فأدخل الرعب إلى حكامٍ مرضى وعميان في الدولة السعودية ، كانوا قبل هذا التاريخ يغذون التنظيمات الاسلامية المتطرفة بالسلاح ، كما ادخل الرعب، أيضاً، إلى نفوس اثرياء سعوديين كانوا يعتبرون انفسهم ممولين لتنظيم داعش المعادي لأصول وقوى اليسار العربي والديمقراطية، بل يعتبرون انفسهم اعضاء غير رسميين او مؤيدين لهذا التنظيم الساخط على جميع (الكافرين) في العراق وسوريا ، وفي العالم كله، معتبرين أنفسهم جديرين بحمل لقب (المؤمنين) . غير ان بعض السعوديين والخليجيين بدأوا ، منذ عام 2014 ، يدركون ،مثل الدول الاوربية وامريكا، أن هدف داعش لا يتوقف ، ذات يوم ، إلا في نقل مركز الخلافة من الرقة الى مكة.. من القرى الصحراوية المنعزلة إلى ميادين النفط المكتظة.. ! لتمتد دولتهم في أرجاء العالم، بعد أن كان عدد غير قليل من اتباع المذهب الوهابي في المملكة العربية السعودية قد بايعوا ،سراً أو علناً، الخليفة ابو بكر البغدادي، تماما مثلما استطاع تنظيم داعش ، اختراق وعي الكثير من المسلمين من حملة الجنسيات الاوربية والامريكية، مما أوجد عوامل عديدة وفّرت اسباب توسع التنظيم في بلدان أوربا العلمانية .
المطلوب في هذه الظروف الملتهبة بالمفخخات والعبوات الناسفة وتفجير الطائرات وغيرها من اساليب الغدر والقتل والعنف أن تكون الدول العربية والاسلامية المعادية ،حقاً، للفكر الداعشي وممارساته الهمجية قادرة على العمل المنفرد أو التعاوني والقيام بأدوار عسكرية – ايجابية للقضاء على معسكرات تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) والتبرؤ التام من أفكارها واساليب عملها ..كما المطلوب من الصحافة والفضائيات العراقية والعربية كشف الاصول المنحرفة لهذا التنظيم.
المطلوب، أيضاً، أن لا تتقاعس المؤسسات الدينية النقية من القيام بأدوارها اليومية في كشف الاصول المنحرفة لهذا التنظيم وجميع مشابهاته ونفيها نفياً تاماً خارج الدين الاسلامي وعدم الاكتفاء بالشجب والاستنكار الباردين.
كذلك المطلوب من القوى اليسارية في بلدان اوربا الغربية وجميع القوى الديمقراطية العالمية أن تفعّل نشاطها وعلاقاتها الدولية لتدعيم القوى الديمقراطية ،العراقية والسورية واللبنانية والمصرية والايرانية في اطار ثقافي واحد معنيّ بتخصيب الكفاح من اجل الحرية الحقيقية والديمقراطية الحقيقية في الشرق الاوسط ،كله، بتقريب الحداثة الفكرية ضمن مفاهيم التقدم التاريخي واتجاهاته المعاصرة بحتمية التقدم الانساني .
مقالات اخرى للكاتب