رب ضارة نافعة، لا شماتة لكنها كانت الصفعة التي هزت اوربا وحولت فرانسوا هولاند رجل النستلة والبارفام الفرنسي الى رجل حرب، وقلبت الطاولة على رأس من خطط ودعم وأيد وساند مايسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام، الهجمة الارهابية التي تعرضت لها فرنسا يوم الجمعة الماضي وما سببته من هلع وخوف وسقوط ضحايا قتلى وجرحى تجاوز عددها المائة هي القشة التي قصمت ظهر البعير المدلل الواقف على ضفاف نهر السين. كانت فرنسا غير آبهة لمقتل أكثر من الف أنسان في الشهر نحراً وشنقاً وتعذيباً وبرصاصة طائشة أو صاروخ موجه في العراق وسورية وليبيا واليمن، ظلت صامتة مكتفية في الظرف الحرج بإصدار بيانات الأستنكار والتنديد.
في دولة مثل فرنسا تعد من أهم الدول الراعية لحقوق الأنسان كما تدعي هي لم تحرك ساكناً في جرائم وانتهاكات وبلاوي داعش طوال السنوات التي مضت، والى وقت قريب كانت متمسكة بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه البعثي لتسلمه هدية ثمينة لمن تسميهم بالمعارضة المعتدلة التي لا وجود لها على ارض الواقع الذي تتحكم فيه داعش والنصرة سيما إن أغلب المحسوبين على الجيش الحر أنضم مقتنعاً أم مرغما الى أحد الفريقين بعد أن وجد نفسه يقاتل في عدة جبهات.
فرنسا ليست وحدها من ركب هذه الموجة فمعها دولا أوربية وخليجية تدبر وتخطط ليلا ونهاراً لأسقاط بشار الأسد مهما كان الثمن كما قال وزير الخارجية السعودي، والمصيبة هنا أن هذه المنظومة التي تدعي حرصها على تحرير الشعب السوري من نظامه القمعي لم تكتف بما حل من خراب ودمار وفوضى وتمزيق للوحدة الوطنية والجغرافية والعقائدية لدول المنطقة، إنما تريد أن تذهب أبعد من ذلك عبر البعبع الداعشي لتنفيذ المخطط الصهيوني برسم خارطة جديدة للشرق الأوسط.
كل التحذيرات التي كانت تصدر من الدول التي أكتوت بنار الفتنة والفوضى والتي أكدت أن مجرمي داعش سيتمددون الى أنحاء مختلفة من العالم، لم تك لتجد لها أذاناً صاغية لدى هؤلاء الساسة الذين كانوا حتى قبل يوم واحد من الجمعة الدامية في باريس يرسلون طائراتهم محملة بالآف الأطنان من اسلحة ومعدات الموت الى من يطلقون عليهم معارضة في سورية والعراق لأبقاء الوضع ملتهباً لأكثر من ثلاثين سنة حسب التقويم الأمريكي، وهو الأمر الذي يؤكد فشل أنظمة الأستخبارات في هذه الدول من الوصول الى المعلومة الدقيقة في الوقت المناسب، ولا غرابة أن نسمع الرئيس الروسي بوتين يقول في قمة الدول العشرين التي انعقدت مؤخرا في إنطاليا، إن أكثر من اربعين دولة تدعم مايسمى الدولة الأسلامية بينهم من يشارك في قمة العشرين.
السؤال الأن هل تكفي الأجراءات التي أتخذها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بإعلان حالة الطوارئ وغلق الحدود وشن حملة اعتقالات وسحب الجنسية عن المتورطين في الهجمات وضرب معاقل داعش وما يترتب على ذلك من التزامات جديدة في التنقل الحر بين دول اوربا والحاصلين على الشينكل وموجات المهاجرين من الدول المنكوبة بنار الحرب، أم أنها ستتعدى الحدود الفرنسية وتعيد أوربا التي تعاني معظم دولها من عجز ومشاكل أقتصادية الى سنوات ما قبل الوحدة ؟.
يعتقد بعض المحللين السياسيين أن زعماء داعش خططوا لهذه العملية الأجرامية بهدف أيقاف زحف الآف المهاجرين الى اوربا وأبقائهم رهينة في البلدان التي خرجوا منها، ولاسيما أنهم يشكلون وقودا فعالا في إدامة الحرب التي تريدها أمريكا مستمرة عقودا بينما أنتبهت روسيا الى خطورة الأكتفاء بالتفرج عليها فدخلت بقوة وسط نيرانها لتضع حداً للسيناريو الأمريكي المفضوح.
تداخلت الأهداف والنيات وضاع المهاجرون وسط المعمعة وأنكشف المستور وتغيرت الخطط وبات الأعلان عن تحالف روسي أمريكي فرنسي وشيكا. ستمضي التسويات لأن البديل حرب نووية لا تبقي ولا تذر. !
مقالات اخرى للكاتب