ليس عيباً أن نستغيث ونستجير, وليس عيباُ أن نطلب العون والمدد من الله الواحد الأحد, فلا حول لنا ولا قوة في هذا البلد, بعد أن قل الناصر, واستفحل الفاجر, وتطاول الظالم, وتغافل الحاكم, وضاع الخيط والعصفور. . لقد استرخصوا دمائنا منذ اليوم الذي حاصرونا فيه في زقاق ضيق من أزقة البصرة المزدحمة بالناس, أغلقوا علينا المنافذ قبيل الغروب في شارع (عبد الله بن علي) ثم احرقونا كلنا, من دون تفريق بين صغير وكبير, ومن دون تمييز طائفي أو عرقي, كان هدفهم إضرام النيران فينا, فقتلوا منا في ذلك اليوم المشئوم مقتلة عظيمة, وجرحوا منا أكثر ممن قُتل, في جريمة شاملة راح فيها السني والشيعي والمسيحي والصابئي, تفحمت فيها أجساد أطفالنا ونسائنا وشبابنا وشيوخنا, ثم جاءت الحكومة لتبرر المجزرة وتلقي باللوم على أسلاك التيار الكهربائي, في الوقت الذي كانت فيه الكهرباء غارقة في سباتها العميق, فكتبوا في شهادات موتانا: عبارة (تماس كهربائي) في الحقل المخصص لبيان أسباب الوفاة, وسجلوا المحرقة الجماعية ضد مجهول, ثم خرجوا مرة أخرى ليعلنوا إلقاء القبض على مرتكبي المحرقة, فزجوا بهم في سجن رصين حصين متين, لكننا فوجئنا بعد عام من المحرقة أن قضبان السجن كانت من قصب, وسقوفه من خشب, وجدرانه من ورق, فمزقوها كلها ولاذوا بالفرار, وضاع الخيط والعصفور. . عادوا اليوم إلى بيوتنا ليقتلوننا بدم بارد على الهوية, متخذين من جنوب العراق هدفاً لهم, مستغلين ضعف مقومات تمكين العاملين في الأجهزة الأمنية, ومستفيدين من تأرجح مراكزهم القيادية. . ربما تعد هذه النقطة بالذات هي القشة التي قصمت ظهر البعير الأمني, وهي التي أفقدته القدرة على الرصد والتصدي, فقد تأسست وكالات الاستخبارات في المدن العراقية عام 2005, لكنها شهدت اضطرابا وتذبذباً وتغيراً متواصلا في تبدل مواقع الإدارات العليا منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا, بمعدل ستة أشهر لكل مدير تقريبا, وربما سرت هذه التغيرات الفوقية الطارئة والسريعة والارتجالية على الأجهزة الأمنية في مدن البصرة وميسان وذي قار, ففي البصرة (مثلا) شغل مركز القيادة العليا لوكالة الاستخبارات أكثر من (14) مدير للمدة من 2005 إلى 2013, وبالتالي فأن المعلومات التراكمية المعززة لأداء تلك القيادات العليا تكاد تكون غير متوفرة, أو غير صحيحة, فما بالك إذا كانت تعيينات تلك المواقع تتأثر سلباُ أو إيجاباً بتقلبات المواقف المزاجية للقوى السياسية المسيطرة ؟, ثم كيف يتسنى لتلك القيادات اكتساب المهارات الميدانية ؟, وكيف يمكنها الارتقاء بمقومات جاهزيتها الأمنية نحو الأفضل ؟, وكيف يتسنى لها تحسين أدائها في غضون هذه الفترات القصيرة المتقطعة ؟, وكيف يمكن تعزيز قوة المراكز الأمنية في ظل هذه المتغيرات الزئبقية المتذبذبة ؟, وكيف يتحقق الأمن والأمان على يد الوحدات الأمنية والشرطية الأخرى التي لا تمتلك المؤهلات المهنية الكافية ؟, ومن أين تأتيها القدرات الاستباقية لرصد تحركات البؤر الشريرة المسلحة بأخبث الأسلحة الشيطانية ؟, ويبقى السؤال الذي لابد منه: متى ينعم الناس بالأمن والاستقرار في خضم هذه الهجمات الطائفية الشرسة ؟. . الله يستر من الجايات