تبقى حكايات الف ليلة وليلة من اهم اغذية الوعي الابداعي في ذاكرة اجيالنا التي ناشت الان اعمارها الخمسين والستين وما فوق ، وربما من اجل تقريب تلك الحكايات الرائعة الى واقعنا صدرت الكثير من الدراسات النقدية التي تربط بين روح ورؤى الحكايات في جانبها السياسي والاجتماعي والحضاري.
ربما لأن الحكايات والتي كانت بغداد والبصرة ومدن عربية اخرى مكان حدوثها ، وكل حكاية تقصها شهرزاد من اجل منع شهريار عن ممارسة عادته السيئة بقتل النساء تحمل للعصر هذا ايماءة وربط ، وربما قصة الجارية كهرمانة التي احست ان اللصوص الاربعون يختبئون في جرار الزيت الفارغة فصبتْ عليهم الزيت الحار وقتلتهم جميعا وجعلت الجرار القبور المناسبة والضيقة والغير لائقة لكل مجرم وسارق وشرير.
الآن تنتصب هذه الحكاية في ساحة كهرمانة بكرادة بغداد بأبداع الفنان العراقي الكبير المرحوم محمد غني حكمت ، وربما هي واحدة من اللمسات السحرية لجمال النهار والليل البغدادي ، فكل من يمر على النصب الجميل حتما سيتذكر فتنة الحكاية وسحرها ، ولكنه يتذكر ان بغداد في ذلك الوقت كان لديها فقط اربعين حراميا تخلصت منهم كهرمانة بذكائها بدقائق .
الآن كيف يتخلصون من الأف الحرامية الذين ينخرون عفة ونزاهة وشرف المال العراقي .
تلك معضلة كل يوم يرسمها العراقيون الفقراء والبسطاء كلما يمرون بسيارات الاجرة والخاصة وسيرا على الاقدام يتمنون ان تكون لدينا اليوم الف كهرمانة ليصبن الزيت على رؤوس حرامية هذا العصر.
كهرمانة ( حكاية اللصوص ) .
ربما حين يطلب منها اليوم لتعيد تمثيل الحكاية واقعا كما فعلتها منذ اكثر الف عام .ستضحك وترد علينا : مستحيل هؤلاء لا ينفع معهم جرار الزيت الساخن بل ينفع قصفهم بصواريخ كروز وتوما هوك وانتفاضة كل فقراء العراق.
مقالات اخرى للكاتب