الموازنة المالية العراقية لهذا العام تبدو من بعيد عالية بارقامها المليارية ، وقد تتجاوز موازنات دول كثيرة ، ولكن من الداخل يعرف المواطن أن عائدها على الدولة والفرد والمجتمع قليل ، ويقل سنة بعد اخرى..
وفي الاقتصاد والسياسة لا تعد هذه المليارات – رغم عددها الكبير، وتصنيف توزيعها وتشريعها – موازنة بالمعنى الواقعي ، لغياب فلسفة الدولة ودورها عنها ، ويتمثل في الخطط والاسترتيجيات المتوسطة والبعيدة ، فهي لا تحمل أهدافا تنموية واقتصادية واجتماعية بعيدة ، أي بمعنى أن هذه المليارات لا تشبع حاجة البلد من كل النواحي ، و هي دونها بكثير ، ناهيك عن انها لا تساهم في تطوير البلاد في المجالات المختلفة ، ان لم يكن في تراجع ، لعدم كفاية الموارد لهذا الهدف ، وغياب التنمية البشرية بالمستوى المطلوب ، وهي الاساس للتنمية العامة بكل ابوابها بعد أن ترك الانسان عرضة للبطالة ، ورُبط مستقبله بمورد واحد ، هو عرضة للتذبذب وعدم الثبات ، بينما في الحقيقية هو من يصنع الموازنة في خططها التنموية وهو غايتها في الوقت نفسه ..
ولذلك لم يكن مستغربا أن تكون الموازنة بهذا التراجع المتواصل لغياب الدور الحقيقي للانسان ، وتحول ذلك المُنتج الفاعل الى انسان يحتاج الى المساعدة والرعاية ، وليس أن يكون مكانه في ميادين العمل والانتاج ، كما أصبح راتبه في حالة عمله عرضة للتناقص بسبب ظروف البلاد المعروفة ، وطبيعة الموازنة ..
وكونها موازنة أحادية ، لغياب الموارد الاخرى الحقيقية ، واعتمادها على مصدر واحد آخذٌ بالنقصان ، تبقى الاحتمالات واردة بانها ربما تكون عاجرة عن تنفيذ ما هو مخطط ، رغم ضآلته ، بل هي خارج الارادة ، وبالتالي يمكن توقع حصول مشاكل اقتصادية كبيرة ، تكون عرضة للتصاعد ايضا ، وبالتالي تتراكم سنة بعد اخرى ، لأن تنفيذ مفردات الموازنة ترك للمجهول ، والغائب الذي قد لا يأتي محملا بما يتمنى صاحب القرار ، وهو سعر برميل النفط ..
وباختصار هي موازنة تمنيات ، وتوقعات تقوم على ( فرضية ) أن يصل انتاج النفط وسعره الى حدود ما رسم له فيها ، وفي حالة عدم تحقق تلك الحدود سيكون العجزالمتوقع أكبرمما قدر له ، وربما يتصاعد ، والتجربة الماضية في العلاقة بين الحكومة المركزية والاقليم ، وتواصل تراجع الاسعار ، واحتمالات زيادة الانتاج في دول مختلفة ، قد تجعل تلك التوقعات في الموازنة غير واقعية..
والاجماع على تمرير الموازنة ( بإستثناء أصوات معارضة قليلة ) لا يعني غياب الخلافات في تفاصيلها ، أو أنها حققت ( الايثار الوطني ) على (المصلحة الذاتية ) عند هذا أو ذاك ، وتغليب المصلحة العليا المشتركة على الفرعيات ، وذلك لوجود العقدة الدائمة في كل موازنة ، وهي (الحصة المقررة ) لكل محافظة والاقليم ، فهي تثار في كل موازنة ، ولكنها ظهرت في هذه الموازنة بصورة أكثر ، وهذه الحالة تعزز من المحاصصة ، بدل أن نتخلص منها .. وهي أس البلاء ، وأصل الداء ..
لهذه الاسباب فهي موازنة الأمر الواقع ، ودون الحاجة الفعلية بكثير ، وبعيدة جدا عن الطموح .. وستبقى هكذا ان لم تكن هناك موارد من الانتاج في ميادينه المختلفة ، وتنمية اقتصادية وبشرية الى جانب مورد النفط …
ورغم ذلك فهي في نظر المشاركين في اقرارها تُعد إنجازا ، أو إعجازا ، لتمكنهم من تجاوز الخلافات ، وإصدارها في موعدها وباسرع من المتصور ..!!
فمتى يتحقق الاعجاز والانجاز في الانتاج ..؟..
ننتظر ..
{{{{{
كلام مفيد :
اذا اردت ان تعرف جوهر إنسان ما إنظر الى تصرفه عندما يفقد كل شيء ، أو يحصل على كل شيء .. فاذا احتفظ بالامل عند الفقدان ، والتواضع عند الغنى والسلطان ، والتوازن في الحالين ، فأعرف أنه جدير بالثقة والاحترام ..
مقالات اخرى للكاتب