إنحنى جلجامش على ضفة النهر , وأخذ يقرأ قصائد الأمواج , المكتوبة على جسد دجلة الزاهي الجميل , الذي عشقه وراح يتعبد بحضرته , ويعلن أن الحياة بالمياه تكون!
وأنها تجري , من شمال الشعور إلى جنوبه , من علياء الروح إلى وديانها , ومن قمم المحبة إلى قيعانها , وأنها تبقى تدور , مثلما الأرض بكلها , تنفتل على بعضها , لتصنع طاقات التحول والتواصل والعصور!
وغاص جلجامش في رمال الشاطئ الدافئ الحنون , واندس في جسد الأرض بكل قوته , وراح يستشعر طعم الحياة , في جسم التراب المعبأ بالمياه والمحبة والحنان , ودام يغوص حتى وصل إلى قلب الأرض!
فرآه!
فإذا هو نار تمور!
فعاد إلى ضفة الشاطئ , وقد علت وجهه علامات إستغراب , ودهشة اضطراب , فاستلقى على حافة المياه , والأمواج تضرب جسمه , تريد أن تخرجه من غيبوبة الوعي الأكبر , وتدفعه إلى دورة الحياة ,
لكنه دام في تخشبه , وتفاعله مع الرمال والمياه والأمواج , التي أخذت تكتب على جسده ما تريد
والرجل في أعلى درجات الغطيط.......!
يحلم بالوعيد!
ولا يفهم كيف أن النار تحمل ماءا , و تنجب أحياءا , و تطعم بشرا , وتأكل الأشياء , وتبقى في الكون تقيد؟!!
جلجامش يحلم!!
والنار في اضطرام , والموج في احتدام , والشمس في خصام , والنور في انهزام!!
فاستشعر لسعات عقارب الزمهرير , واستيقظ من غيبوبته , ورمى ببصره , إلى العالم البعيد
فتراءت الأمواج أمامه , كأنها البهتان والسراب , وأن الحياة ليست كما يرى , بل أنها كما لا يرى , وتتوطن البعيد!!
حاول جلجامش أن ينهض , لكن ساقيه في غاية الضعف , وتحسس في صدره , وجيب قلب عنيف , ومن حوله تتداعى الأشياء , كأنها أعاصير تتهاوى , فوقه بكل ثقلها , وتعلن أنه لا يمكنه أن يخطو لقريب!!
وحاول مرة أخرى أن ينهض , واستنجد بالأمواج والرمال , وبالأجساد الثاوية تحت التراب , وبالشمس الغائبة في صندوق الظلام , وبأجداده الآلهة , وبكل طاقات الصيرورة والنماء!!
وبغتة يتحول إلى أزيز , من قوة الشد الروحي بالرمال والمياه , و يُرمى كأنه السهم السريع , الخارق المتوثب إلى هدف بعيد , بل أنه الصاروخ , بلغة العصر الجديد!!
ينطلق بقوة خارقة , ويندس في الرمال , وطاف جسد الأرض , وسافر في عروقها , وصار ينظر البعيد ...البعيد , ويرى الذي لا يراه العديد!!