يبدو أنْ لا مصيبة على الأرض تشبه مصيبة العراق بلاد ما بين القهرين العظيمين . ألعقدة الكبرى تلدُ عقدات ، والعقَد تتناسل إلى كدمات ثانوية فتتجمع فتنمو حتى تنفجر ، وتنام شظاياها في أجساد الضحايا ، وبما أنّ الشظية هي كائنٌ حديدي غير عاقل ، فإنّ مجالس العزاء وحفلات شواء اللحم الآدمي العزيز ، ستتوزع على كل جهات الرعية ، غير مكترثة بدين هذا ومذهب ذاك وجذر هذه . أمريكا وإيران وتوابعهما المنغلة في الجهات الأربع ، ليسوا بالضرورة أنهم ينامون ويصحون على عيشة توافقية وزواج مسيار ومتعة وطق اصبعتين ، لكنهم في نهاية الطبخة ، سيتفقون على تثبيت وحماية ورعاية وسقاية مشهد الحرامية القائم حتى الآن في المحمية البغدادية الخضراء ، وهذا أمر لم يحدث في أي بقعةٍ من الكون .
وأنت في دربك لتفكيك عقدة مشهورة ، ستتعثر قدماك بسلة عقد ، وهذه ستتحول الى عواملها الأولية أو قواسمها المشتركة ، ليس كما يحدث في حلّ مسألة بدرس الرياضيات ، بل بزيادة البلل على طين المسألة ، حتى تنزلق من بين يديك كما سمكة ثمينة في يوم رمادة وجوع ، وتصير عقدة جديدة تنمو حولها المطبات والطسات ومصدات الحل الشريف .
من كوارثنا الوطنية هي ان الحاكم ليس ذكياً ولا محترفاً ولا مهنياً ولا صاحب ضمير مانع عن السوء ، لكنه سيبدو انه يحمل كل تلك الصفات النبيلة ، بعد أن يتكىء على سذاجة الناس وجهلهم ، ومشورة الأجنبي الذكي الخبير الذي لن يبخل على عملائه الخدم ، بدروس مجانية كثيرة في السلب والنهب والتضليل وارتداء القناع المناسب في الزمان المناسب .
عندما تسقط المحمية الخضراء أو تكاد ، فإنهم سيأخذونك هذه المرة ، صوب مناطق ساخنة تحظى باتفاق جمعي على توصيفها . يدقون مثلاً باب الفلوجة ثم يصلون سرّتها ، وساعة تتلطخ المسألة بدماء الجنود والمدنيين الأبرياء ، يفتون بتأسيس لجانٍ لتقصّي الوقائع ، فتدخل الرعية باب الإنتظار الممل ، وحيث تصل القوم إلى سنّ اليأس والإحباط ، سيقومون بحركة بهلوانية سريعة ، وسينزرع ملف الضحايا على رفّ النسيان .
سترى في مشهد النصر المصنوع بأيدي الجند ، آباءً كثيرين ، لكن عندما تفتح عليهم ذكريات الهزيمة والصفقة الموصلية المشهورة ، ستكتشف أن لا أباً للكارثة أبداً .
بلادٌ مريضة ومخدرة ، والخوف هو أن لا تشفى إلا بعد دورة تأريخية طويلة ، ستأتي على ما تبقى من أخضر ومضيء وشريف .
مقالات اخرى للكاتب