وكلمة بوليّه تقال لمجموعة من الذكور، بينما هي للاناث ( بول) وتعني المرأة سيئة الاخلاق والسمعة، وهذا القول قاله سيد حسن، وسيد حسن رجل مقامر لايفارق المقاهي، ومجالس الشراب، لكنه في محرم ولمدة عشرة ايام فقط يتجه الى اللطم والبكاء على الحسين (ع)، وفي شهر محرم وتحديداً في العشرة الاولى، تجمع الشباب وهيأوا انفسهم للّطم، فارتقى المنبر سيد حسن، وبدأ يحث الشباب ويقرأ، والشباب يضحكون، حتى ضجر، فصاح في الميكرفون:( لك بوليّه انتم مو مال لطم، انتم مال فلسين حب وجوّه الجسر) فانفجر المجلس ضاجا بالضحك وانتهى كل شيء.
وهذا القول يصلح لاشياء كثيرة، يصلح ان يقال للفاسدين الذين سيطروا على المناصب وهم يدعون للحسين وابي الحسين، تراهم في زيارة الاربعين يوزعون الطعام على الزائرين، ولكنهم يسرقون الزائرين من مكان آخر، وهنا يحق لنا ان نقول لهم: ( لك بوليّه، انتم مو مال لطم)، وكذلك نستطيع ان نوظف هذا القول باتجاه السياسيين العلمانيين، الذين يدعون الى حكومة طوارىء وفرض الاحكام العرفية، وهذا امر يجري بصالح ارجاع الديكتاتورية مرة ثانية او ثالثة للساحة، ونقول لهم: ( لك بوليّه، انتم مو مال ديمقراطية).
ومنه ايضا نستطيع ان نشتق الكثير لنقوله للمتظاهرين، الذين يسيئون استخدام هذه الممارسة الجميلة، في استخدام العبارات الجارحة، او التهديد باقتحام المنطقة الخضراء وبالتالي تحويل التظاهرات الى مواجهات لاندري اين ستكون بوصلتها، وفي اي جيب تصب فوائدها: ( لك بوليّه، انتم مو مال تظاهرات)، وفي حقيقة الامر ان الشعب العراقي لم يكن مهيئاً للحكم الديمقراطي، من الممكن ان يأخذها اي الديمقراطية كجرعات وعلى مستويات زمنية متفاوتة، وليس من المعقول ان تنتهي الديكتاتورية اليوم ونبدأ غداً في ممارسة الديمقراطية، فننهب مؤسسات الدولة ونحرق الكثير منها.
وفي ممارساتنا الديمقراطية الكثير من الشوائب، مثلا سيارة الانقاض تأتي الى ابواب البيوت وانا اسكن في منطقة مابعد القناة في الرصافة، ولكن الناس يفضلون ان يرموا النفايات قرب السوق، او في الشوارع، واستطيع ان اجزم ان الجميع يتجاوز على منظومة الكهرباء، فيعقف ملعقة الطعام ويرميها على اسلاك الكهرباء في ممارسة ديمقراطية كبيرة، في حين يقتحم البعض في اوقات الاطفاء المبرمج ويرتقي الاسلاك ليضع عليها مايريد، اما الاراضي التي وزعتها الاحزاب الدينية، وباعها بعض المتنفذين، فهذه ضاعفت المناطق عشرات المرات، التجاوز على انابيب الماء ورمي انقاض البناء في المجاري، كلها ممارسات رأبتها بام عيني، وانتم ترون التجاوز على الارصفة في كل شوارع بغداد بام اعينكم.
لم يكن المسؤول وحده فاسداً، الفساد صار عادة ديمقراطية مقدسة يمارسها الشعب، ولا ينجو منها الا الذي يظهر صكا للفقر، هذا فقط هو من الفرقة الناجية، اما سواه من الذين يسرقون ويحاولون التغطية على سرقاتهم في لافتة يحملونها، فهؤلاء سيكشفهم الشعب النزيه الذي لم يشترك في الحواسم الاولى، ولا في الحواسم الثانية، ولن يشترك في الحواسم المقبلة؛ كثيرا ما استحضر قول المسيح (ع)، (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر)، وهي دعوة للشرفاء للخروج الى التظاهر، ومن كان منكم نظيف اليد سيكون سيد المتظاهرين، اما بائعوا الولاءات لهذا وذاك، فليسوا من الشعب وان حاولوا مشاركته في ممارساته الديمقراطية، وسيفرزهم ويطلقها صرخة في وجوههم كما قال سيد حسن بعد ان ضحكوا منه: ( لك بوليّه، انتم مو مال لطم).
مقالات اخرى للكاتب