الدولة العميقة؛ مصطلح سياسي أصبح يتداول في الأوساط الإعلامية مؤخراً, وهو دلالة لعمق العمل, وغموض مساعي جهات معينة للهيمنة على مفاصل الدولة بغياب القوانين المهمة.
ففي اغلب دول العالم تجد إن الاستقرار السياسي سببه وجود القوانين التي تنظم حياة المواطن, والمستندة أساساً لدستور دائم, وهناك تعليمات وإجراءات توضح بنود تلك القوانين, لذا تجد الشعوب لا تتأثر بالتقلبات السياسية, والاضطرابات الأمنية والاقتصادية أن وجدت, فالدولة تعيش الاستقرار, ويحكمها نظام سياسي وأداري واضح المعالم, والاستحقاقات فيها تمنح وفق معايير الكفاءة والنزاهة والإخلاص, والأحزاب تداول السلطة بطرق الديمقراطية, وتبقى الدولة تحكمها روح المواطنة.
إلا العراق, دائماً ما تجد الأمثال الشعبية قواعد تسير عليها ليس حياة الناس البسطاء, إنما باتت أحزاب السلطة وساستها يطبقون تلك المؤروثات أكثر مما يحترمون الدستور والقوانين, فبعدما سأم الجميع من سطوة الحزب البعث على كل المفاصل بفرض عناصره, وجاء الخلاص ليتنفس الناس السعداء, وبدأت مسيرة جديدة في بناء العراق ما بعد صدام, حيث وقع المواطن في دهاليز السلطة المظلمة, وأصبح الابن على سر أبيه.
والدولة العميقة؛ هي إحدى أهم مخرجات البحث عن حكومة الحزب الواحد, والفكر الواحد مع غياب اسم هذا المشروع في أدبيات من يتبناه, فبعد ترسيخ حقوق الأغلبية بجهود قيادة الائتلاف العراقي الموحد, وتثبيت استحقاقاتهم دستورياً, حتى انفرط العقد عام 2010, لتبرز حالة التدافع الحزبي, والتمدد الخفي في كل المؤسسات لصالح جهات معينة على حساب الآخرين, وليس هجوم مباغت, إنما تخطيط من اجل الاستحواذ على المناصب كافة.
ويبدو إن هناك خطط إعلامية تواكب خطط الاستيلاء على كل ما تقع عليه أيادي دعاة الحزب, فالماكينة الإعلامية تستهدف بطريقة ذكية مدروسة كل المنافسين بعيداً عن القيم والأخلاق ومبادئ الإسلام, فناهيك عن الحصول على المناصب والمواقع بطرق غير قانونية, استخدمت (طريقة التعيين بالوكالة) احد أهم طرق اخذ المواقع غصباً وبلا حياء, وهذا هو الظلم بعينه, حينما تجعل الشخص غير المناسب في غير محلة لغايات إستراتيجية.
فمنذ عام 2010 حتى منتصف 2016 تم تعيين أكثر من 5000 ألاف مدير عام وكالة, وأكثر من 200 شخص بدرجة وكيل وزير, وأكثر من 120 منصب بدرجة وزير ورئيس مؤسسة وجهاز بالوكالة, وجميعهم تابعين لحزب واحد, وطيف فكري معين لا لأجل خدمة المواطن, وإنما لترسيخ مفهوم (حكومة الحزب الواحد) عبر وسائل غير مقبولة, وهذا خلاف ما أعلنه العبادي في برنامج الحكومي, الذي خالفه علناً وجهراً.
إذن طريقة التعيين بالوكالة, كانت خطوة ممنهجة لتحويل العراق من بناء دولة العصرية المتحضرة, يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات إلى دولة فاشلة متأخرة لا تمثل سوى مفهوم (الدولة العميقة), التي تحكم من قبل حزب السلطة.
مقالات اخرى للكاتب