ما هو معروف في العلوم السياسية، وعند المعنيين في الشأن السياسي، وإدارة الدولة، ان مفهوم التكنوقراط قائم على ثنائية متلازمة، كتلازم الحرارة للنار، وهذه الثنائية هي:"الاستقلالية، والتخصص".
ان دعوة رئيس الحكومة"العبادي"، الى تغيير وزاري على اساس التكنوقراط هو يرأسه، دعوة غير صحيحة وغير موفقة، فالعبادي ليس مستقلاً ولا متخصصاً في إدارة الحكومة، وهذا ابسط ما يحتج به عليه من قبل الأطراف السياسية الأخرى؛ فطلب العبادي فريق وزاري تكنوقراطي برئاسته، هو التفاف على مفهوم التكنوقراط، وتفريغه من محتواه الحقيقي.
لذا حاول بعض من المحسوبين على حزب الدعوة، بما فيهم حيدر العبادي، ان يضعوا على هذا المفهوم مكياج، ليبدو بصورة جميلة يقبلها الجمهور، فقالوا بالتكنوقراط السياسي، يعني نفس المحاصصة الحزبية والسياسة، لكن تخصصية، وبالنتيجة تحصيل حاصل لحكومة المحاصصة.
دعوة العبادي الى تغيير وزاري شامل؛ فيها مبالغة من التشكيك والطعن بكافة الوزرء، والحكم على الصالح والطالح على حد سواء، وهذه مغالطة كبيرة جداً، كما ان فيها القاء بالفشل على الشركاء الآخرين، وعصمة رئيس الوزراء وحده! في الحقيقة اني ارى هذه الدعوة، هي استهداف سياسي من حزب الدعوة للمكونات البقية، أكثر مما هي دعوة للاصلاحات، كذلك هي اشغال للرأي العام بقضية، عن القضية الحقيقية التي طالبت بها المرجعية والمتظاهرين في ضرب الفاسدين، في الحكومة السابقة.
لو كانت الكتل السياسية المشاركة في الحكومة بوزرائها، عندها نظام شهري معلن على فضائياتها في محاسبة وزيرها، ماذا قدم؟ ماذا انجز؟ حتى يطّلع الناس عليه، فأن أساء الوزير تعاقبه كتلته وتقيله، وأن احسن تثيبه وتظهر انجازاته للناس، لو فعلت الكتل هكذا لفوتوا الفرصة على العبادي، ووقع في حرج شديد نتيجة الضغط عليه في مطالبته بضرب الفاسدين، لان الحزب الحاكم يجيد فن المراوغة والمغالطة في العمل السياسي.
بعد عام 2003، كلنا يعلم ان ادارة الحكم في العراق، بني على التوافقات والمحاصصات السياسية، وفق الأستحقاق الانتخابي، وهذه المعادلة من الصعب تغييرها، في ظل عراق متعدد الطوائف والقوميات والاحزاب، وحتى لو أتت حكومة تكنوقراط، فهي لا تخرج عن هذه المعادلة الديمغرافية، حيث كلّ يجر النار الى قرصه!
إذاً ما هو الحل في العراق؟ نحن رأينا الدعوات السابقة الى حكومة التوافق، والوحدة الوطنية، والشراكة الوطنية، لكن جميعها فشلت، فهل ستنجح حكومة التكنوقراط؟
الجواب يكمن في حلّين لا ثالث لهما:الاول- حكومة تكنوقراط وفق مفهومها الصحيح تشمل الحكومة الحالية بدون استثناء.الثاني- حكومة أغلبية سياسية، تقوم بتغيير رئاسة الوزراء، واخراحها من الحزب الحاكم، فيكفي 12عاماً من الحكم لهذا الحزب، ولم يقنع الناس بإدارته للدولة، فماذا يريد بعد؟! ما لم تتغيير رئاسة الوزراء بأحد هذين الحلّين فلا اصلاحات ترتجى أبدا.
مقالات اخرى للكاتب