حينما يتحدث الناس عن امريكا ورعايتها للارهاب، فإن البعض منّا يسخر من ذلك الحديث معتبراً إياه ناجماً عن عقلية (المؤامرة) التي يمتاز بها المتخلفون حضارياً والمهمشون والمستضعفون... لقد بلغ التجهيل والتزييف الراهن حداً جعل الغربيون يراهنون على غباء الشعوب العربية، فبعد تصريحات كبار المسؤولين الامريكان ومفكريهم بأن ما يجري هو بتخطيط مسبق من قبل دهاة السياسة الدولية ومفكري المجال الحيوي للعرق البشري المتفوق (الغربي)، وأن القاعدة والمنظمات الارهابية المنتشرة اليوم في العالم الاسلامي هي صناعة امريكية تمتلك (علامة مسجلة) في سوق صناعة السياسة وتسويق الافكار وتعليبها... بعد كل هذه الاعترافات والتصريحات بل والممارسات على ارض الواقع، يأتي من يتفلسف برؤوسنا من المثقفين والمحللين ثم يلقي بتبعة ما نشهده من الأحداث المأساوية في هذه المسرحية ذات الحبكة الحضارية على عاتق الإسلام، وينسب إليه كل هذه الفضائع والقبائح والمخازي السياسية والآيديولوجية والميدانية التي تدور رحاها حول قطب هذه البقعة المتفجرة من العالم، والتي ليس عبثاً حينما اطلقوا عليها منطقة (الشرق الاوسط)، حيث ارادوا لها ان تكون محركاً للاحداث العالمية ومنطلقاً للصراع الحضاري وامتدادا للحروب (المقدسة) منذ بضعة قرون، الموصوفة في كتب التاريخ المدرسية بالحروب الصليبية.
ما يجري اليوم في العراق هو جزء من مخطط امبريالي كبير قد تمت دراسته وحياكته بدقة متناهية في الصوامع السياسية الكبرى، وتم الترويج له بوسائل اعلامية متنوعة عمدت إلى خلط الاورق وضرب الحابل بالنابل، حتى لكأنّ اكثر الناس حلماً وأرجحهم عقلاً يقف عاجزا ذاهلاً فلا يدري ما هو السبيل كي يبقر خاصرة ما يتراءى من باطل فيخرج منها صريح الحق...
انها فوضى عارمة بكل ما للكلمة من معنى، تمتزج فيها كافة العناصر العلمية والثقافية والايديولوجية والتكنولوجية... لتنتج كائناً حضارياً لا يشبهه أي كائن آخر خلقه مبدع الكائنات وواهب الصور، نوع من الابالسة الذين لم يعرف لهم التاريخ قط نظير، إن ذلك الكائن العولمي الاخطبوطي الذي يدّعى أنه في خدمة الانسان وحضارته ورقيه هو في الواقع في خدمة امريكا وحلفائها الاقوياء... ومهما حاول دعاة العلمنة والحداثة من مثقفينا ومفكرينا أن يبرروا به فشلهم عن عدم فهم هذه الحقيقة الناصعة متوارين خلف تلك الادوات المفهايمية الفارغة والمصطلحات الجوفاء التي صدّعوا بها رؤوس انصاف المثقفين من القرّاء المنبهرين بالافكار المستوردة... مهما فعلوا ليداروا به ذلك الفشل فإنهم لن يستطيعوا ابداً أن يقلبوا الوقائع لتكون مجرد ذرائع، وعزاءنا الوحيد اليوم هو بثلة من أصحاب الوعي والدراية والفهم، ومع أنهم اليوم أندر من الكبريت الأحمر إلا أنهم أمل هذه الأمة في بناء مستقبل جديد لهذه الإنسانية، وذلك انطلاقاً من مباديء ديننا الحنيف وتعاليمه السمحاء التي حاولوا تشويهها بتلك المؤامرات القذرة عبر صناعاتهم الارهابية المدمرة التي تدّعي الإسلام والاسلام منها براء.